إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ لَمۡ أَكُن لِّأَسۡجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقۡتَهُۥ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (33)

{ قَالَ } أي إبليس ، وهو أيضاً استئناف مبني على السؤال الذي ينساق إليه الكلام { لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ } اللام لتأكيد النفي ، أي ينافي حالي ولا يستقيم مني لأني مخلوق من أشرف العناصر وأعلاها أن أسجد { لِبَشَرٍ } أي جسم كثيف { خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } اقتصر هاهنا على الإشارة الإجمالية إلى ادعاء الخيرية وشرف المادة اكتفاء بما صرح به حين قال : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، ولم يكتف اللعين بمجرد ذكر كونه عليه الصلاة والسلام من التراب الذي هو أخس العناصر وأسفلها ، بل تعرض لكونه مخلوقاً منه في أخس أحواله من كونه طينا متغيرا ، وقد اكتفى في سورة الأعراف وسورة ص بما حكي عنه هاهنا فاقتصر على حكاية تعرضه لخلقه عليه الصلاة والسلام من طين ، وكذا في سورة بني إسرائيل حيث قيل : { أأسجد لمن خلقت طينا }ً وفي جوابه دليل على أن قوله تعالى : { ما لك } ليس استفسارا عن الغرض بل هو استفسار عن السبب ، وفي عدوله عن تطبيق جوابه على السؤال روم للتفصي{[476]} عن المناقشة وأنى له ذلك ، كأنه قال : لم أمتنع عن امتثال الأمر ولا عن الانتظام في سلك الملائكة ، بل عما لا يليق بشأني من الخضوع للمفضول ، ولقد جرى ، خذله الله تعالى ، على سنن قياس عقيم وزل عنه أن ما يدور عليه فلك الفضل والكمال هو التحلي بالمعارف الربانية والتخلي عن الملكات الردية ، التي أقبحها التكبر والاستعصاء على أمر رب العالمين جلا جلاله .


[476]:تفصّى: (بالفاء الموحدة) من الشيء وعنه: تخلص منه.