إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِنَّ عَلَيۡكَ ٱللَّعۡنَةَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلدِّينِ} (35)

{ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللعنة } الإبعادَ عن الرحمة ، وحيث كان ذلك من جهة الله سبحانه وإن كان جارياً على ألسنة العبادِ ، قيل : في سورة ص { وَإِنَّ عَلَيْكَ لعنتي } { إلى يَوْمِ الدين } إلى يوم الجزاء والعقوبةِ ، وفيه إشعارٌ بتأخير عقابِه وجزائِه إليه ، وأن اللعنة مع كمال فظاعتِها ليست جزاءً لفعله وإنما يتحقق ذلك يومئذ ، وفيه من التهويل ما لا يوصف ، وجعلُ ذلك أقصى أمدِ اللعنة ليس لأنها تنقطع هنالك ، بل لأنه عند ذلك يعذَّب بما يَنسى به اللعنة من أفانين العذابِ ، فتصير هي كالزائل . وقيل : إنما حدت به لأنه أبعدُ غاية يُضَرّ بها الناسُ كقوله تعالى : { خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض } وحيث أمكن كونُ تأخير العقوبةِ مع الموت كسائر من أُخِّرت عقوباتُهم إلى الآخرة من الكفرة ، طلب اللعينُ تأخيرَ موتِه كما حُكي عنه بقوله تعالى : { قَالَ رَبّ فَأَنظِرْنِي إلى يوم يبعثون } .