وقولُه تعالى : { وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ } نفيٌ لاحتمالِ كونِ معرفتِه عليه الصَّلاة والسَّلام للقصَّةِ بالسَّماعِ ممَّن شاهدَها أي وما كنتَ مُقيماً في أهلِ مدينَ من شُعيبٍ والمؤمنينَ به . وقولُه تعالى : { تَتْلُو عَلَيْهِمْ } أي تقرأُ على أهلِ مدينَ بطريقِ التعلمِ منهم { آياتنا } الناطقةَ بالقصَّةِ إمَّا حالٌ من المُستكنِّ في ثاوياً أو خبرٌ ثانٍ لكنتَ { وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } إيَّاك ومُوحين إليكَ تلك الآياتِ ونظائرَها { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا } أي وقتَ ندائِنا مُوسى { إِنّي أَنَا الله رَبُّ العالمين } [ سورة القصص ، الآية30 ] واستنبائنا إيَّاه وإرسالِنا له فرعونَ { ولكن رَّحْمَةً مّن رَّبِكَ } أي ولكنْ أرسلناكَ بالقُرآنِ النَّاطقِ بما ذُكر وبغيرِه لرحمةٍ عظيمةٍ كائنةٍ منَّا لك وللنَّاسِ . وقيل : علمناكَ وقيل : عرَّفناك ذلك وليس بذاكَ كما ستعرفُه . والالتفاتُ إلى اسمِ الربِّ للإشعارِ بعلَّةِ الرَّحمةِ وتشريفِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بالإضافةِ وقد اكتُفي عن ذكرِ المستدركِ ههنا بذكر ما يُوجبه من جهتِه تعالى كما اكتفى عنْهُ في الأولِ بذكرِ ما يُوجبه من جهةِ النَّاسِ وصرَّح به فيما بينُهما تنصيصاً على ما هُود المقصودُ وإشعاراً بأنَّه المرادُ فيهما أيضاً ولله درُّ شأنِ التَّنزيلِ . وقولُه تعالى : { لِتُنذِرَ قَوْماً } متعلقٌ بالفعلِ المعلَّلِ بالرَّحمةِ فُهو ما ذكرنا من إرسالِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بالقُرآنِ حتماً لما أنَّه المعللُ بالإنذارِ لا تعليمُ ما ذُكر . وقرئ رحمةٌ بالرَّفعِ على أنَّه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ وقولُه تعالى : { مَّا أتاهم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ } صفةٌ لقوماً أي لم يأتهم نذيرٌ لوقوعِهم في فترةٍ بينك وبينَ عيسى وهي خمسمائةٌ وخمسونَ سنةً أو بينك وبين إسماعيلَ بناء على أنَّ دعوةَ مُوسى وعيسى عليهما السَّلامُ كانتْ مختصَّةً ببني إسرائيلَ { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } أيْ يتعظونَ بإنذارِك . وتغييرُ التَّرتيبِ الوقوعيِّ بين قضاءِ الأمرِ والثّراء في أهلِ مدينَ والنِّداءِ للتنبيهِ على أنَّ كلاًّ من ذلك برهانٌ مستقلُّ على أنَّ حكايتَه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ للقصَّةِ بطريقِ الوحِي الإلهيِّ ولو ذُكر أولاً نفيُ ثوائِه عليه الصَّلاة والسَّلام في أهلِ مدينَ ثمَّ نفيَ حضورُه عليه الصَّلاة والسَّلام عندَ النِّداءِ ثم نُفي حضورُه عند قضاءِ الأمرِ كما هو الموافقُ للترتيبِ الوقوعيِّ لربَّما تُوهم أنَّ الكلَّ دليلٌ واحدٌ على ما ذُكر كما في سورة البقرةِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.