وقوله : هُنالكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ يقول : عند ذلك اختبر إيمان المؤمنين ، ومحّص القوم وعرف المؤمن من المنافق . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله هُنالكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ قال : محصوا .
وقوله : وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدا يقول : وحرّكوا بالفتنة تحريكا شديدا ، وابتلوا وفتنوا .
الإشارة ب { هُنَالك } إلى المكان الذي تضمنه قوله { جاءتكم جنود } [ الأحزاب : 9 ] وقوله { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم } . والأظهر أن تكون الإشارة إلى الزمان الذي دلت عليه { إذْ في قوله : وإذ زاغت الأبصار . } وكثيراً ما ينزّل أحد الظرفين منزلة الآخر ولهذا قال ابن عطية : { هنالك } : ظرف زمان والعامل فيه ابتلي اهـ . قلت : ومنه دخول ( لات ) على ( هَنّا ) في قول حجل بن نضلة :
خنت نَوارُ ولات هَنَّا حِنت *** وبدا الذي كانت نوار أجنت
فإن ( لات ) خاصة بنفي أسماء الزمان فكان ( هَنَّا ) إشارة إلى زمان منكر وهو لغة في ( هُنا ) . ويقولون : يومُ هُنَا ، أي يوم أول ، فيشيرون إلى زمن قريب ، وأصل ذلك مجاز توسع فيه وشاع .
والابتلاء : أصله الاختبار ، ويطلق كناية عن إصابة الشدة لأن اختبار حال الثبات والصبر لازم لها ، وسمى الله ما أصاب المؤمنين ابتلاء إشارة إلى أنه لم يزعزع إيمانهم .
والزلزال : اضطراب الأرض ، وهو مضاعف زَلّ تضعيفاً يفيد المبالغة ، وهو هنا استعارة لاختلال الحال اختلالاً شديداً بحيث تُخَيَّل مضطربة اضطراباً شديداً كاضطراب الأرض وهو أشدّ اضطراباً للحاقه أعظم جسم في هذا العالم . ويقال : زُلْزِلَ فلان ، مبنياً للمجهول تبعاً لقولهم : زُلزلت الأرض ، إذ لا يعرف فاعل هذا الفعل عُرفاً . وهذا هو غالب استعماله قال تعالى : { وزلزلوا حتى يقول الرسول الآية } [ البقرة : 214 ] .
والمراد بزلزلة المؤمنين شدة الانزعاج والذعر لأن أحزاب العدو تفوقُهم عَدداً وعُدة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.