جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ} (9)

وقوله : وأقِيمُوا الوَزْنَ بالقِسْطِ يقول : وأقيموا لسان الميزان بالعدل .

وقوله : وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ يقول تعالى ذكره : ولا نتقصوا الوزن إذا وزنتم للناس وتظلموهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، قال : حدثنا أبو العوّام ، عن قتادة والسّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ المِيزَانَ ألاّ تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ وأقِيمُوا الوَزْنَ بالقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ قال قتادة قال ابن عباس : يا معشر الموالي إنكم وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم ، اتقى الله رجل عند مِيزانه ، اتقى الله رجل عند مكياله ، فإنما يعدله شيء يسير ، ولا ينقصه ذلك ، بل يزيده الله إن شاء الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وأقِيمُوا الوَزْنَ بالقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ قال : نقصه ، إذا نقصه فقد خَسّره تخسيره نقصه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ} (9)

والإِقامة : جعل الشيء قائماً ، وهو تمثيل للإِتيان به على أكمل ما يراد له وقد تقدم عند قوله : { ويقيمون الصلاة } في سورة البقرة ( 3 ) .

والوزن حقيقته : تحقيق تعادل الأجسام في الثقل ، وهو هنا مراد به ما يشمل تقدير الكميات وهو الكيل والمقياس . ٍ

والقسط : العدل وهو معرب من الرومية وأصله قسطاس ثم اختصر في العربية فقالوا مرة : قسطاس ، ومرة : قسط ، وتقدم في قوله تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } في سورة الأنبياء ( 47 ) .

والباء للمصاحبة . والمعنى : اجعلوا العدل ملازماً لما تقوّمونه من أموركم كما قال تعالى : { وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى } [ الأنعام : 152 ] وكما قال : { ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا } [ المائدة : 8 ] ، فيكون قوله : { بالقسط } ظرفاً مستقراً في موضع الحال ، أو الباء للسببية ، أي راعوا في إقامة التمحيص ما يقتضيه العدل ، فيكون قوله : { بالقسط } طرفاً لغواً متعلقاً ، وقد كان المشركون يعهدون إلى التطفيف في الوزن كما جاء في قوله تعالى : { ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } [ المطففين : 1 3 ] .

فلما كان التطفيف سنة من سنن المشركين تصدت للآية للتنبيه عليه ، ويجيء على الاعتبارين تفسير قوله : { ولا تخسروا الميزان } فإن حُمل الميزان فيه على معنى العدل كان المعنى النهي عن التهاون بالعدل لغفلة أو تسامح بعد أن نهى عن الطغيان فيه ، ويكون إظهار لفظ الميزان في مقام ضميره تنبيهاً على شدة عناية الله بالعدل ، وإنْ حُمل فيه على آلة الوزن كان المعنى النهي عن غبن الناس في الوزن لهم كما قال تعالى في سورة المطففين ( 3 ) { وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } والإِخسار : جعل الغير خاسرا والخسارة النقص .

فعلى حمل الميزان على معنى العدل يكون الإِخسار جعل صاحب الحق خاسراً مغبوناً ؛ ويكون الميزان } منصوباً على نزع الخافص ، وعلى حمل الميزان على معنى آلة الوزن يكون الإِخسار بمعنى النقص ، أي لا تجعلوا الميزان ناقصاً كما قال تعالى : { ولا تنقصوا المكيال والميزان } [ هود : 84 ] ، وقد علمت هذا النظم البديع في الآية الصالح لهذه المحامل .