محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ} (9)

{ وأقيموا الوزن بالقسط } أي بالاستقامة في الطريقة ، وملازمة حدّ الفضيلة ، ونقطة الاعتدال في جميع الأمور ، وكل القوى ، { ولا تخسروا الميزان } قال القاشانيّ : أي بالتفريط عن حد الفضيلة .

قال بعض الحكماء : العدل ميزان الله تعالى ، وضعه للخلق ، ونصبه للحق . انتهى .

وممن فسر { الميزان } في الآية بالعدل ، مجاهد ، وتبعه ابن جرير ، وكذا ابن كثير ، ونظر لذلك بآية{[6878]} { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط } . وجوّز أن يراد بالميزان ما يعرف به مقادير الأشياء من ميزان ومكيال ونحوهما . ومنه قال السيوطي في ( الإكليل ( : فيه وجوب العدل في الوزن ، وتحريم البخس فيه . وعليه ، فوجه اتصال قوله : { ووضع الميزان } بما قبله ، هو أنه لما وصف السماء / بالرفعة التي هي مصدر القضايا والأقدار ، أراد وصف الأرض بما فيها ، مما يظهر به التفاوت ، ويعرف به المقدار ، ويسوّى به الحقوق والمواجب – كذا ارتآه القاضي- والله أعلم .

وفي الحقيقة ، الثاني من أفراد الأول ، وأخذ اللفظ عامًّا أولى وأفيد .

ومن اللطائف التي يتسع لها نظم الآية الكريمة قول الرازي : { الميزان } ذكر ثلاث مرات ، كل مرة بمعنى . فالأول : هو الآلة . والثاني : بمعنى المصدر . والثالث : للمفعول . قال : وهو كالقرآن ، ذكر بمعنى المصدر في قوله تعالى : {[6879]} { فاتبع قرآنه } ، وبمعنى المقروء في قوله :{[6880]} { إن علينا جمعه وقرآنه } ؛ وبمعنى الكتاب الذي فيه المقروء في قوله تعالى :{[6881]} { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال } ، فكأنه آلة ومحل له ، وفي قوله تعالى :{[6882]} { آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم } . ثم قال : وبين القرآن والميزان مناسبة ، فإن القرآن فيه من العلم ما لا يوجد في غيره من الكتب . والميزان فيه من العدل ما لا يوجد في غيره من الآلات . انتهى .


[6878]:[57 / الحديد/ 25].
[6879]:[75/ القيامة / 18].
[6880]:[75 / القيامة / 17]
[6881]:[13 / الرعد / 31].
[6882]:[15/ الحجر / 87].