الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ} (9)

قوله : { وَلاَ تُخْسِرُواْ } : العامَّةُ على ضَمِّ التاءِ وكسرِ السينِ مِنْ أَخْسَرَ ، أي : نَقَصَ كقولِه : { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } وقرأ زيد بن علي وبلال بن أبي بردة بفتح التاءِ وكسرِ السين فيكون فَعَلَ وأَفْعَلَ بمعنىً . يقال : خَسِر الميزانَ وأخسَره ، بمعنىً واحدٍ نحو : جَبَر وأَجْبَر . ونقل أبو الفتح وأبو الفضل عن بلال فتحَ التاءِ والسينِ . وفيها وجهان ، أحدُهما : أنه على حَذْفِ حرفِ الجر تقديره : ولا تَخْسَروا في الميزان . ذكره الزمخشري وأبو البقاء : إلاَّ أنَّ الشيخَ قال : " لا حاجةَ إلى ذلك ؛ لأنَّ " خَسِرَ " جاء متعدياً . قال تعالى : َ { خَسِرُواْ أَنْفُسَهُمْ } [ الأنعام : 12 ] . و { خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ } [ الحج : 11 ] . قلت : وهذا ليس مِنْ ذاك . ألا ترى أنّ { خَسِروا أنفسَهم } { وخَسِر الدنيا والآخرةَ } معناه : أنَّ الخُسْران واقعٌ بهما ، وأنَّهما معدومان . وهذا المعنى ليس مُراداً في الآيةِ قطعاً ، وإنما المرادُ : لا تُخْسِروا الموزونَ في الميزان . وقُرِىء " تَخْسُروا " بفتح التاء وضمِّ السينِ . قال الزمخشري : " وقُرِىء ولا تَخْسروا بفتح التاء وضم السين وكسرِها وفتحِها . يقال : خَسِر الميزانَ يَخْسِره ويَخْسُره . وأمَّا الفتحُ : فعلى أنَّ الأصلَ " في الميزان " فحذف الجارَّ ووصلَ الفعلَ إليه " وكَرَّر لفظ الميزان ، ولم يُضْمِرْه في الجملتَيْن بعده تقويةً لشَأْنِه وهذا كقولِه :

لا أَرى الموتَ يَسْبِقُ الموتَ شيءٌ *** نَغَّصَ الموتُ ذا الغِنى والفقيرا