جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (196)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ لاَ يَغُرّنّكَ تَقَلّبُ الّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمّ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } .

يعني بذلك جل ثناؤه : ولا يغرنك يا محمد تقلب الذين كفروا في البلاد ، يعني : تصرفهم في الأرض وضربهم فيها . كما :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { لا يَغُرّنّكَ تَقَلّبُ الّذِينَ كَفَرُوا فِي البِلادَ } يقول : ضربهم في البلاد .

فنهى الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم عن الاغترار بضربهم في البِلاد ، وإمهال الله إياهم مع شركهم وجحودهم نعمه ، وعبادتهم غيره . وخرج الخطاب بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنيّ به غيره من أتباعه وأصحابه ، كما قد بينا فيما مضى قبل من أمر الله ، ولكن كان بأمر الله صادعا ، وإلى الحق داعيا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال قتادة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { لا يَغُرّنّكَ تَقَلّبُ الّذِينَ كَفَرُوا فِي البِلادَ } والله ما غروا نبي الله ، ولا وكل إليهم شيئا من أمر الله ، حتى قبضه الله على ذلك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (196)

{ لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد } والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته ، أو تثبيته على ما كان عليه كقوله { فلا تطع المكذبين } أو لكل أحد ، والنهي في المعنى للمخاطب وإنما جعل للتقلب تنزيلا للسبب منزلة المسبب للمبالغة ، والمعنى لا تنظر إلى ما الكفرة عليه من السعة والحظ ، ولا تغتر بظاهر ما ترى من تبسطهم في مكاسبهم ومتاجرهم ومزارعهم . روي ( أن بعض المؤمنين كانوا يرون المشركين في رخاء ولين عيش فيقولون : إن أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد ) فنزلت .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (196)

اعتراض في أثناء هذه الخاتمة ، نشأ عن قوله : { فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم } [ آل عمران : 195 ] باعتبار ما يتضمّنه عدَمُ إضاعة العمل من الجزاء عليه جزاء كاملاً في الدنيا والآخرة ، وما يستلزمه ذلك من حرمان الذين لم يستجيبوا لداعي الإيمان وهم المشركون ، وهم المراد بالذين كَفَروا كَمَا هو مصطلح القرّاء .

والخطاب لغير معيّن ممّن يُتوهّم أن يغرّه حسن حال المشركين في الدنيا .

والغَرّ والغرور : الإطماع في أمر محبوب على نيّة عدم وقوعه ، أو إظهار الأمر المضرّ في صورة النافع ، وهو مشتقّ من الغرّة بكسر الغين وهي الغفلة ، ورجل غِرّ بكسر الغين إذا كان ينخدع لمن خادعه . وفي الحديث : " المؤمن غرّ كريم " أي يظنّ الخير بأهل الشرّ إذا أظهروا له الخير .

وهو هنا مستعار لظهور الشيء في مظهر محبوب ، وهو في العاقبة مكروه .

وأسند فعل الغرور إلى التقلّب لأنّ التقلّب سببه ، فهو مجاز عقليّ ، والمعنى لا ينبغي أن يغرّك . ونظيره : « لا يفتننّكم الشيطان » . و ( لا ) ناهية لأنّ نون التوكيد لا تجيء مع النفي .

وقرأ الجمهور : لا يَغُرّنَّك بتشديد الراء وتشديد النون وهي نون التوكيد الثقيلة ؛ وقرأها رويس عن يعقوب بنون ساكنة ، وهي نون التوكيد الخفيفة .

والتقلّب : تصرّف على حسب المشيئة في الحروب والتجارات والغرس ونحو ذلك ، قال تعالى : { ما يجادل في آيات الله إلاّ الذين كفروا فلا يَغْرُرْك تَقَلُّبُهم في البلاد } [ غافر : 4 ] .

والبلاد : الأرض . والمتاعُ : الشيء الذي يشتري للتمتّع به .