جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيۡرٞ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجۡعَلۡ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُمۡ رَدۡمًا} (95)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ مَا مَكّنّي فِيهِ رَبّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } .

يقول تعالى ذكره : قال ذو القرنين : الذي مكنني في عمل ما سألتموني من السدّ بينكم وبين هؤلاء القوم ربي ، ووطأه لي ، وقوّاني عليه ، خير من جُعلكم ، والأجرة التي تعرضونها عليّ لبناء ذلك ، وأكثر وأطيب ، ولكن أعينوني منكم بقوّة ، أعينوني بفَعلة وصناع يُحسنون البناء والعمل . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ما مَكّنّي فِيهِ رَبّي خَيْرٌ فَأَعِينوني بقُوَةٍ قال : برجال أجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْما وقال ما مكني ، فأدغم إحدى النونين في الأخرى ، وإنما هو ما مكنني فيه . وقوله : أجعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْما يقول : أجعل بينكم وبين يأجوج ومأجوج ردما . والردم : حاجز الحائط والسدّ ، إلا أنه أمنع منه وأشدّ ، يقال منه : قد ردم فلان موضع كذا يَردِمه رَدْما ورُداما ويقال أيضا : رَدّم ثوبه يردمه ، وهو ثوب مُرَدّم : إذا كان كثير الرقاع ومنه قول عنترة :

هَلْ غادَرَ الشّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدّمِ *** أمْ هَلْ عَرَفْتَ الدّارَ بَعْدَ تَوَهّمِ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : أجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْما قال : هو كأشدّ الحجاب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن رجلاً قال : يا نبيّ الله قد رأيت سدّ يأجوج ومأجوج ، قال : «انْعَتْهُ لي » ، قال : كأنه البرد المحّبر ، طريقة سوداء ، وطريقة حمراء ، قالَ : «قَدْ رأيَتَهُ » .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيۡرٞ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجۡعَلۡ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُمۡ رَدۡمًا} (95)

{ قال ما مكّني فيه ربي خير } ما جعلني فيه مكينا من المال والملك خير مما تبذلون لي من الخراج ولا حاجة بي إليه . وقرأ ابن كثير " مكنني " على الأصل . { فأعينوني بقوة } أي بقوة فعلة أو بما أتقوى به من الآلات . { أجعل بينكم وبينهم ردماً } حاجزا حصينا وهو أكبر من السد من قولهم ثوب مردم إذا كان رقاعا فوق رقاع .