التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لِنَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ} (14)

وقوله - سبحانه : { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ في الأرض مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } معطوف على قوله { أهلكنا } .

والخلائف جمع خليفة . وهو كل من يخلف غيره ويأتي من بعده .

أي : ثم جعلناكم أيها المكلفون باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - خلفاء في الأرض من بعد أولئك الأقوام المهلكين لنرى ونشاهد ونعلم أي عمل تعملون في خلافتكم فنجازيكم على ذلك الجزاء المناسب الذي تقتضيه حكمتنا وإرادتنا ، و { كيف } مفعول مطلق ل { تعملون } لا { لننظر } لأن الاستفهام له الصدارة ، فلا يعمل فيه ما قبله .

قال الآلوسى : واستعمال النظر بمعنى العلم مجاز ، حيث شبه بنظر الناظر . وعيان المعاين في تحققه . والمراد نعاملكم معاملة من يطلب العلم بأعمالكم ليجازيكم بحسبها ، كقوله - تعالى - { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } قال قتادة : صدق الله ربنا ، ما جعلنا خلفاء إلا لينظر إلى أعمالنا ، فأروا الله من أعمالكم خيرا ، بالليل والنهار .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لِنَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ} (14)

و { خلائف } جمع خليفة ، وقوله { لننظر } معناه لنبين في الوجود ما علمناه أزلاً ، لكن جرى القول على طريق الإيجاز والفصاحة والمجاز ، وقرأ يحيى بن الحارث{[1]} وقال : رأيتها في الإمام مصحف عثمان ، «لنظر » بإدغام النون في الظاء{[2]} .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن الله تعالى إنما جعلنا خلفاء لينظر كيف عملنا فأروا الله حسن أعمالكم في السر والعلانية ، وكان أيضاً يقول : قد استخلفت يا ابن الخطاب فانظر كيف تعمل ؟ وأحيانا كان يقول قد استخلفت يا ابن أم عمر .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لِنَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ} (14)

عطف على { أهلكنا } [ يونس : 13 ] وحرف ( ثم ) مؤذن ببعد ما بين الزمنين ، أي ثم جعلناكم تخلفونهم في الأرض . وكون حرف ( ثم ) هنا عاطفاً جملة على جملة تقتضي التراخي الرتبي لأن جعلهم خلائف أهم من إهلاك القرون قبلهم لما فيه من المنة عليهم ، ولأنه عوضهم بهم .

والخلائف : جمع خليفة . وتقدم في قوله : { وهو الذي جعلكم خلائف الأرض } في سورة [ الأنعام : 165 ] . والمراد { بالأرض } بلاد العرب ، فالتعريف فيه للعهد ؛ لأن المخاطبين خلفوا عاداً وثموداً وطسماً وجديساً وجُرهماً في منازلهم على الجملة .

والنظر : مستعمل في العلم المحقق ، لأن النظر أقوى طرق المعرفة ، فمعنى { لننظر } لنتعلم ، أي لنعلم علماً متعلقاً بأعمالكم . فالمراد بالعلم تعلقه التنجيزي .

و { كيف } اسم استفهام معلق لفعل العلم عن العمل ، وهو منصوب ب { ننظر } ، والمعنى في مثله : لنعلم جواب كيف تعملون ، قال إياس بن قبيصة :

وأقبلت والخطى يخطر بيننا *** لا علم مَن جبانها من شجاعها

أي ( لا علم ) جَواب مَن ( جبانها ) .

وإنما جعل استخلافهم في الأرض علة لعلم الله بأعمالهم كناية عن ظهور أعمالهم في الواقع إن كانت مما يرضي الله أو ممَّا لا يرضيه فإذا ظهرت أعمالهم علمها الله علم الأشياء النافعة وإن كان يعلم أن ذلك سيقع علماً أزلياً ، كما أن بيت إياس بن قبيصة معناه ليَظهر الجبانُ من الشجاع . وليس المقصود بتعليل الإقْدام حصول علمه بالجبان والشجاع ولكنه كنّى بذلك عن ظهور الجبان والشجاع . وقد تقدم نظير هذا في قوله تعالى : { وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء } في سورة [ آل عمران : 140 ] .