ثم انتقل يوسف - عليه السلام - إلى تفنيد العقائد الباطلة والأوهام الكاذبة فقال : { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ } أى من دون الله - تعالى - المستحق للعبادة .
{ إِلاَّ أَسْمَآءً } أى ألفاظا فارغة لا قيمة لها .
{ سَمَّيْتُمُوهَآ } آلهة بزعمكم { أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ } أما هي فليس لها من هذا الاسم المزعوم ظل من الحقيقة ، لأنها مخلوقة وليست خالقة ، ومرزوقة وليست رازقة ، وزائلة وليست باقية ، وما كان كذلك لا يستحق أن يكون إلها .
ومفعول { سَمَّيْتُمُوهَآ } الثانى محذوف . والتقدير سميتموها آلهة .
وقوله { وَآبَآؤُكُمْ } لقطع عذرهم ، حتى لا يقولوا : إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ، فكأنه - تعالى - يقول لهم : إن آباءكم كانوا أشد من كم جهلا وضلالا ، فلا يصح لكم أن تقتدوا بهم .
والمراد بالسلطان في قوله - تعالى - { مَّآ أَنزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ } الحجة والبرهان .
أى : ما أنزل الله - تعالى - بتسميتها أربابا - كما سميتموها بزعمكم - من برهان أو دليل يشعر بتسميتها بذلك ، وإنما أنتم الذين خلعتم عليها هذه الأسماء .
وقوله : { إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ } إبطال لجميع التصرفات المزعومة لآلهتهم . .
أى : ما الحكم في شأن العقائد والعبادات والمعاملات وفى صحتها أو عدم صحتها إلا الله - تعالى - وحده ، لأنه الخالق لكل شئ ، والعليم بكل شئ .
وقوله { أَمَرَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ } انتقال من الأدلة الدالة على وحدانيته - سبحانه - إلى الأمر بإخلاص العبادة له وحده .
أى : أمر - سبحانه - عباده أن لا يجعلوا عبادتهم إلا له وحده ، لأنه هو خالقهم ورازقهم ، وهو يحييهم ويمييتهم .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { ذلك الدين القيم ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ } .
أى : ذلك الذي أمرناكم به من وجوب إخلاص العبادة لله - تعالى - وحده ، هو الدين القيم .
أى : الحق المستقيم الثابت ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك حق العلم ، لاستيلاء الشهوات والمطامع على نفوسهم .
وبعد أن عرف يوسف صاحبيه في السجن بنفسه ، وأقام لهما الأدلة على أن عبادة الله - تعالى - وحده هي الدين الحق ودعاهما إلى الدخول فيه
وقوله : { إلا أسماء } ذهب بعض المتكلمين إلى أنه أوقع في هذه الآية الأسماء على المسميات وعبر عنها بها إذ هي ذوات أسماء .
قال القاضي أبو محمد : والاسم الذي هو ألف وسين وميم - قد يجري في اللغة مجرى النفس والذات والعين ، فإن حملت الآية على ذلك صح المعنى ، وليس الاسم - على هذا - بمنزلة التسمية التي هي رجل وحجر ، وإن أريد بهذه الأسماء التي في الآية أسماء الأصنام التي هي بمنزلة اللات والعزى ونحو ذلك من تسميتها آلهة ، فيحتمل أن يريد : إلا ذوات أسماء ، وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ؛ ويحتمل - وهو الراجح المختار إن شاء الله - أن يريد : ما تعبدون من دونه ألوهية ولا لكم تعلق بإله إلا بحسب أن سميتم أصنامكم آلهة ، فليست عبادتكم لإله إلا باسم فقط لا بالحقيقة ، وأما الحقيقة فهي وسائر الحجارة والخشب سواء ، فإنما تعلقت عبادتكم بحسب الاسم الذي وضعتم ، فذلك هو معبودكم إذا حصل أمركم ؛ فعبر عن هذا المعنى باللفظ المسرود في الآية ، ومن هذه الآية وهم من قال - في قولنا : رجل وحجر - إن الاسم هو المسمى في كل حال ، وقد بانت هذه المسألة في صدر التعليق .
ومفعول «سميتم » الثاني محذوف ، تقديره : آلهة ، هذا على أن { الأسماء } يراد بها ذوات الأصنام ، وأما على المعنى المختار - من أن عبادتهم إنما هي لمعان تعطيها الأسماء وليست موجودة في الأصنام - فقوله { سميتموها } بمنزلة وضعتموها ، فالضمير للتسميات ، ووكد الضمير ليعطف عليه .
وال { سلطان } الحجة ، وقوله : { إن الحكم إلا الله } أي ليس لأصنامكم التي سميتموها آلهة من الحكم والأقدار والأرزاق شيء ، أي فما بالها إذن ؟ ويحتمل أن يريد الرد على حكمهم في نصبهم آلهة دون الله تعالى وليس لهم تعدي أمر الله في أن لا يعبد غيره ، و { القيم } معناه : المستقيم .
بعد أن أثار لهما الشك في صحة إلهيّة آلهتهم المتعددين انتقل إلى إبطال وجود تلك الآلهة على الحقيقة بقوله : { ما تَعبدون من دونه إلا أسماءً سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان } ، يعني أن تلك الآلهة لا تحقق لحقائقها في الوجود الخارجي بل هي توهّمات تخيّلوها .
ومعنى قصرها على أنها أسماء قصراً إضافياً ، أنها أسماء لا مسمياتتٍ لها فليس لها في الوجود إلا أسماؤها .
وقوله : { أنتم وآباؤكم } جملة مفسرة للضمير المرفوع في { سميتموها } . والمقصود من ذلك الردّ على آبائهم سدّاً لمنافذ الاحتجاج لأحقيتها بأن تلك الآلهة معبودات آبائهم ، وإدماجاً لتلقين المعذرة لهما ليسهل لهما الإقلاع عن عبادة آلهة متعددة .
وإنزال السلطان : كناية عن إيجاد دليل إلهيتها في شواهد العالم . والسلطانُ : الحجة .
وجملة { إن الحكم إلا لله } إبطال لجميع التصرفات المزعومة لآلهتهم بأنها لا حكم لها فيما زعموا أنه من حكمها وتصرفها .
وجملة { أمَرَ أن لا تعبدوا إلا إياه } انتقال من أدلة إثبات انفراد الله تعالى بالإلهية إلى التعليم بامتثال أمره ونهيه ، لأن ذلك نتيجة إثبات الإلهية والوحدانية له ، فهي بيان لجملة { إن الحكم إلا لله } من حيث ما فيها من معنى الحكم .
وجملة { ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } خلاصة لما تقدم من الاستدلال ، أي ذلك الدين لا غيرُه مما أنتم عليه وغيرُكم . وهو بمنزلة رد العجز على الصدر لقوله : { إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله } إلى { لا يشكرون } [ سورة يوسف : 38 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.