ولما كان الجواب لكل من يعقل : الله خير ، أشار{[41353]} إلى ذلك بجزم القول بعد ذلك الاستفهام في سلب صلاحيتهم قبل هذا الإمكان بعدم حياتهم ، وعلى تقدير حياتهم بعجزهم ، فقال : { ما تعبدون } والعبادة : خضوع بالقلب في أعلى مراتب الخضوع ، وبين حقارة معبوداتهم وسفولها بقوله : { من دونه } أي الله الذي{[41354]} قام برهان التمانع - الذي هو البرهان الأعظم - على إلهية{[41355]} وعلى اختصاصه بذلك { إلا أسماء } وبين ما يريد وأوضحه بقوله : { سميتموها } أي ذوات أوجدتم لها أسماء { أنتم وآباؤكم } لا معاني لها{[41356]} ، لأنه لا أرواح لها فضلاً عن أن تتحقق بمعنى ما سميتموها به من الإلهية ، وإن كان لها أرواح فهي منتف عنها خاصة الإلهية ، وهي الكمال المطلق الذي يستلزم إحاطة العلم والقدرة .
و{[41357]} لما كان مقصود السورة وصف الكتاب بالإبانة{[41358]} للهدى{[41359]} ، وكان نفي الإنزال كافياً في الإبانة ، لأن عبادة الأصنام باطلة ، ولم يكن في السياق كالأعراف مجادلة توجب مماحكة{[41360]} ومماطلة ومعالجة ومطاولة ، قال نافياً للإنزال{[41361]} بأي وصف كان : { ما أنزل الله } أي المحيط علماً وقدرة .
فلا أمر لأحد معه { بها } وأعرق في النفي فقال : { من سلطان } أي برهان تتسلط به على تعظيمها ، فانتفى تعظيمها لذاتها أو لغيرها ، وصار حاصل الدليل : لو كانوا أحياء يحكمون لم يصلحوا للإلهية ، لإمكان تمانعهم المؤدي إلى إمكان عجز كل منهم الملزوم لأنهم لا صلاحية فيهم للإلهية ، لكنهم ليسوا أحياء ، فهم أجدر بعدم الصلاحية ، فعلم قطعاً أنه{[41362]} لا حكم لمقهور ، وأن كل من يمكن أن يكون له ثان مقهور ؛ فأنتج هذا قطعاً أن الحكم إنما هو لله الواحد القهار ، وهو لم{[41363]} يحكم بتعظيمها ؛ وذلك معنى قوله : { إن } أي ما { الحكم إلاّ لله } أي المختص بصفات الكمال ؛ والحكم : فصل{[41364]} الأمر بما تدعو إليه الحكمة .
ولما انتقى الحكم عن غيره ، وكان ذلك كافياً في وجوب توحيده ، رغبة فيما عنده ، ورهبة{[41365]} مما{[41366]} بيده ، أتبعه تأكيداً لذلك وإلزاماً به أنه حكم به ، فقال : { أمر ألا تعبدوا } أي أيها الخلق في وقت من الأوقات على حال من الأحوال { إلا إياه } أي وهو النافذ الأمر المطاع الحكم .
ولما قام هذا{[41367]} الدليل على هذا الوجه البين ، كان جديراً بالإشارة إلى فضله ، فأشار إليه بأداة البعد ، تنبيهاً على علو مقامه وعظيم شأنه فقال : { ذلك } أي الشأن الأعظم ، وهو توحيده وإفراده عن خلقه { الدين القيم } أي{[41368]} الذي لا عوج فيه فيأتيه الخلل من جهة عوجه ، الظاهر أمره لمن كان له قلب { ولكن أكثر الناس } أي لما لهم الاضطراب مع{[41369]} الحظوظ { لا يعلمون * } أي ليس لهم علم ، لأنهم لا ينتفعون{[41370]} بعقولهم ، فكأنهم في عداد البهائم العجم ، فلأجل ذلك هم لا يفردون الله بالعبادة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.