فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (40)

أورد يوسف عليهما هذه الحجة القاهرة على طريق الاستفهام لأنهما كانا ممن يعبد الأصنام وقد قيل أنه كان بين أيديهما أصنام يعبدونها عند أن خاطبهما بهذا الخطاب ولهذا قال لهما { ما تعبدون من دونه إلا أسماء } فارغة لا مسميات لها وإن كنتم تزعمون أن لها مسميات وهي الآلهة التي يعبدونها لكنها لما كانت لا تستحق التسمية بذلك صارت الأسماء كأنها لا مسميات لها .

وقيل المعنى ما تعبدون من دون الله إلا مسمياته أسماء وقيل خطاب لأهل السجن جميعا لا لخصوص الصاحبين وهذا هو الأظهر وكذلك ما بعده من الضمائر لأنه قصد خطاب صاحبي السجن ومن كان على دينهم .

{ سميتموها أنتم وآباؤكم } من تلقائكم بمحض جهلكم وضلالتكم وليس لها من الإلهية شيء إلا مجرد الأسماء لكونها جمادات لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر والتقدير سميتموها آلهة من عند أنفسكم { ما أنزل الله بها } أي بتلك التسمية { إلا الله } عز سلطانه لأنه المستحق لها بالذات إذ هو الذي خلقكم وخلق هذه الأصنام التي جعلتموها معبودة بدون حجة ولا برهان { أمر أن لا } أي بأن لا { تعبدوا إلا إياه } حسبما تقضي به قضية العقل أيضا والجملة مستأنفة أو حالية والأول هو الظاهر .

والمعنى أنه أمركم بتخصيصه بالعبادة دون غيره مما تزعمون أنه معبود ثم بين لهم أن عبادته وحده دون غيره هي دين الله الذي لا دين غيره فقال :

{ ذلك } أي تخصيصه تعالى بالعبادة { الدين القيم } أي المستقيم الثابت العدل الذي تعاضدت عليه البراهين عقلا ونقلا { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أن ذلك هو دينه القويم وصراطه المستقيم لجهلهم وبعدهم عن الحقائق أو لا يعلمون ما يصيرون إليه من العذاب فيشركون وهذا يدل على أن العقوبة تلزم العبد وإن جهل إذا أمكن له العلم بطريقه .

ثم بعد تحقيق الحق ودعوتهما إليه وبيانه لهما مقداره الرفيع ومرتبة علمه الواسع شرع في تفسير ما استفسراه ولكونه بحثا مغايرا لما سبق فصله عنه بتكرير الخطاب فقال .