التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَدَعۡ أَذَىٰهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلٗا} (48)

{ وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين } فيا يشيرون به عليك من ترك الناس وما يعبدون ، و من عدم بيان ما هم عليه من باطل وجهل ، بل اثبت على ما أنت عليه من حق ، وامض فى تبليغ دعوتك دون أن يخشى أحدا إلا الله - تعالى - .

{ وَدَعْ أَذَاهُمْ } أى : ولا تبال بما ينزلونه بك من أذى ، بسبب دعوتك إياهم إلى ترك عبادة الأصنام والأوثان ، واصبر على ما يصبك منهم حتى يحكم الله - تعالى - بحكمه العادل بينك وبينهم .

{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الله } فى كل أمورك { وكفى بالله } - تعالى - { وَكِيلاً } توكل إليه الأمور ، وترد إليه الشئون . .

هذا ، ومن الأحاديث النبوية التى اشتملت على بعض المعانى التى اشتملت عليها هذه الآيات ، ما رواه الإِمام البخارى والإِمام أحمد عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن علاص فقلت له : أخبرنى عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى التوراة ؟ قال : والله إنه لموصوف فى التوراة ببعض صفته فى القرآن : { ياأيها النبي إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } وحرزا للمؤمنين ، أنت عبدى ورسولى ، سميتك المتوكل ، لست بفظ ولا غليظ ولا صخاب فى الأسواق ، ولا يدفع السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، ولن يقبضه الله - تعالى - حتى يقيم به الملة العوجاء ، ويفتح به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَدَعۡ أَذَىٰهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلٗا} (48)

وقوله تعالى ، { ولا تطع الكافرين والمنافقين } نهي له عن السماع منهم في أشياء كانوا يطلبونها مما لا يجب وفي أشياء كانوا يدخلونها مدخل النصائح وهي غش إلى نحو هذا المعنى ، وقوله تعالى : { ودع آذاهم } يحتمل معنيين : أحدهما أن يأمره بترك أن يؤذيهم هو ويعاقبهم فكأن المعنى واصفح عن زللهم ولا تؤذهم فالمصدر على هذا مضاف إلى المفعول ، ونسخ من الآية على هذا التأويل ما يخص الكافرين وناسخه آية السيف ، والمعنى الثاني أن يكون قوله { ودع آذاهم } بمعنى أعرض عن أقوالهم وما يؤذونك به ، فالمصدر على هذا التأويل مضاف إلى الفاعل ، وهذا تأويل مجاهد . ثم أمره تعالى بالتوكل عليه ، وأنسه بقوله { وكفى بالله وكيلاً } ، ففي قوة الكلام وعد بنصر وتقدم القول في { كفى بالله } ، والوكيل الحافظ القائم على الأمر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَدَعۡ أَذَىٰهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلٗا} (48)

جاء في مقابلة قوله : { وبشر المؤمنين } [ الأحزاب : 47 ] بقوله : { ولا تطع الكافرين والمنافقين } تحذيراً له من موافقتهم فيما يسألون منه وتأييداً لفعله معهم حين استأذنه المنافقون في الرجوع عن الأحزاب فلم يأذن لهم ، فنُهي عن الإِصغاء إلى ما يرغبونه فيترك ما أحلّ له من التزوّج ، أو فيعطي الكافرين من الأحزاب ثَمر النخل صلحاً أو نحو ذلك ، والنهي مستعمل في معنى الدوام على الانتهاء .

وعلم من مقابلة أمر التبشير للمؤمنين بالنهي عن طاعة الكافرين والمنافقين أن الكافرين والمنافقين هم متعلَّق الإِنذار من قوله : { ونذيراً } [ الأحزاب : 45 ] لأن وصف « بشيراً » قد أخذ متعلّقه فقد صار هذا ناظراً إلى قوله : { ونذيراً } [ الأحزاب : 45 ] .

وقوله : { ودع أذاهم } يجوز أن يكون فعل { دع } مراداً به أن لا يعاقبهم فيكون { دع } مستعملاً في حقيقته وتكون إضافة أذاهم من إضافة المصدر إلى مفعوله ، أي دع أذاك إياهم . ويجوز أن يكون { دع } مستعملاً مجازاً في عدم الاكتراث وعدممِ الاغتمام ، فما يقولونه مما يؤذي ويكون إضافة أذاهم من إضافة المصدر إلى فاعله ، أي لا تكترث بما يصدر منهم من أذىً إليك فإنك أجلّ من الاهتمام بذلك ، وهذا من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه . وأكثر المفسرين اقتصروا على هذا الاحتمال الأخير . والوجه : الحمل على كلا المعنيين ، فيكون الأمر بترك أذاهم صادقاً بالإِعراض عما يؤذون به النبي صلى الله عليه وسلم من أقوالهم ، وصادقاً بالكف عن الإِضرار بهم ، أي أن يترفع النبي صلى الله عليه وسلم عن مؤاخذتهم على ما يصدر منهم في شأنه ، وهذا إعراض عن أذى خاص لا عموم له ، فهو بمنزلة المعرف بلام العهد ، فليست آيات القتال بناسخة له .

وهذا يقتضي أنه يترك أذاهم ويكلهم إلى عقاب آجل وذلك من معنى قوله : { شاهداً } [ الأحزاب : 45 ] لأنه يشهد عليهم بذلك كقوله : { فتول عنهم حتى حين وأبصرهم } [ الصافات : 174 175 ] .

والتوكل : الاعتماد وتفويض التدبير إلى الله . وقد تقدم عند قوله تعالى : { فإذا عزمت فتوكل على الله } في سورة آل عمران ( 159 ) وقوله : { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } في سورة العقود ( 23 ) ، أي اعتمد على الله في تبليغ الرسالة وفي كفايته إياك شر عدوك ، فهذا ناظر إلى قوله : وداعياً إلى الله } [ الأحزاب : 46 ] .

وقوله : { وكفى بالله وكيلاً } تذييل لجملة { وتوكل على الله } .

والمعنى : فإن الله هو الوكيل الكافي في الوكالة ، أي المجزي من توكّل عليه ما وكله عليه فالباء تأكيد ، وتقدم قوله : { وكفى بالله وكيلاً } في سورة النساء ( 81 ) . والتقدير : كفى الله و { وكيلاً } تمييز .

فقد جاءت هذه الجمل الطلبية مقابلة وناظرة للجمل الإِخبارية من قوله : { إنا أرسلناك شاهداً إلى وسراجاً منيراً } [ الأحزاب : 45 ، 46 ] فقوله : { وبشر المؤمنين } [ الأحزاب : 47 ] ناظراً إلى قوله : { ومبشراً } [ الأحزاب : 45 ] .

وقوله : { ولا تطع الكافرين } ناظر إلى قوله : { ونذيراً } [ الأحزاب : 45 ] لأنه جاء في مقابلة بشارة المؤمنين كما تقدم .

وقوله : { ودع أذاهم } ناظر إلى قوله : { شاهداً } [ الأحزاب : 45 ] كما علمت . وقوله : { وتوكل على الله } ناظر إلى قوله : { وداعياً إلى الله } [ الأحزاب : 46 ] . وأما قوله : { وسراجاً منيراً } [ الأحزاب : 46 ] فلم يذكَر له مقابل في هذه المطالب إلا أنه لما كان كالتذييل للصفات كما تقدم ناسب أن يقابله ما هو تذييل للمطالب ، وهو قوله : { وكفى بالله وكيلاً } . وهذا أقرب من بعض ما في « الكشاف » من وجوه المقابلة ومن بعض ما للآلوسي فانظرهما واحكم .