التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِيمٌ} (79)

ثم لقن الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم الجواب الذى يخرس ألسنة المنكرين للبعث فقال : { قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } . . .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الجاهلين المنكرين لإِعادة الحياة إلى الأجساد بعد موتها ، قل لهم : يحيى هذه الأجسام والأجساد البالية ، الله - تعالى - الذى أوجدها من العدم دون أن تكون شيئاً مذكوراً ، ومن قدر على إيجاد الشئ من العدم قادر من باب أولى على إعادته بعد هلاكه . وهو - سبحانه - بكل شئ فى هذا الوجود عليم علماً تاماً ، لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء ، سواء أكان هذا الشئ صغيراً أم كبيراً ، مجموعاً أم مفرقا .

قال الشوكانى : وقد استدل أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعى بهذه الآية على أن العظام مما تحله الحياة - أى أنها بعد الموت تكون نجسة .

وقال الشافعى : لا تحله الحياة ، وأن المراد بقوله : { مَن يُحيِي العظام } من يحيى أصحاب العظام على تقدير مضاف محذوف . ورد بأن هذا التقدير خلاف الظاهر

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِيمٌ} (79)

ثم دلهم تعالى على الاعتبار بالنشأة الأولى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِيمٌ} (79)

وأُمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول له { يحييها الذي أنشأها } أمر بجواب على طريقة الأسلوب الحكيم بحمل استفهام القائل على خلاف مراده لأنه لما قال : { من يُحي العظامَ وهي رميمٌ } لم يكن قاصداً تطلب تعيين المحيي وإنما أراد الاستحالة ، فأجيب جواب مَن هو متطلبٌ علماً . فقيل له : { يُحييهَا الذي أنشأها أوَّلَ مرةٍ } . فلذلك بني الجواب على فعل الإِحياء مسنداً للمُحيي ، على أن الجواب صالح لأن يكون إبطالاً للنفي المراد من الاستفهام الإِنكاري كأنه قيل : بل يحييها الذي أنشأها أول مرة . ولم يُبنَ الجواب على بيان إمكان الإِحياء وإنما جعل بيانُ الإِمكان في جعل المسند إليه موصولاً لتدل الصلة على الإِمكان فيحصل الغرضان ، فالموصول هنا إيماء إلى وجه بناء الخبر وهو يحييها ، أي يحييها لأنه أنشأها أول مرة فهو قادر على إنشائها ثاني مرة كما أنشأها أول مرة . قال تعالى : { ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون } [ الواقعة : 62 ] ، وقال : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } [ الروم : 27 ] .

وذيل هذا الاستدلال بجملة { وهو بكل خلقٍ علِيمٌ } أي واسع العلم محيط بكل وسائل الخلق التي لا نعلمها : كالخلق من نطفة ، والخلق من ذرة ، والخلق من أجزاء النبات المغلقة كسُوس الفول وسُوس الخشب ، فتلك أعجب من تكوين الإِنسان من عظامه .

وفي تعليق الإِحياء بالعظام دلالة على أن عظام الحيّ تحلّها الحياة كلحمه ودمه ، وليست بمنزلة القصب والخشب وهو قول مالك وأبي حنيفة ولذلك تنجس عظام الحيوان الذي مات دون ذكاة . وعن الشافعي : أنّ العظم لا تحله الحياة فلا ينجس بالموت . قال ابن العربي : وقد اضطرب أرباب المذاهب فيه . والصحيح ما ذكرناه ، يعني أن بعضهم نسب إلى الشافعي موافقة قول مالك وهو قول أحمد فيصير اتفاقاً وعلماء الطب يثبتون الحياة في العظام والإِحساسَ . وقال ابن زُهر الحكيم الأندلسي في كتاب « التيسير » : إن جالينوس اضطرب كلامه في العظام هل لها إحساساً والذي ظهر لي أن لها إحساساً بطيئاً .