السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِيمٌ} (79)

فأجاب تعالى عن هذه الشبهة بأن قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قل } أي : لهؤلاء البعداء البغضاء { يحييها } أي : بعد أن أنشأها أول مرة { الذي أنشأها } أي : من العدم ثم أحياها { أول مرة } فكما خلق الإنسان ولم يكن شيئاً مذكوراً كذلك يعيده إن لم يبق شيئاً مذكوراً .

الوجه الثاني : أن من تفرقت أجزاؤه في مشارق العالم ومغاربه وصار بعضها في أبدان السباع وبعضها في حواصل الطيور وبعضها في جدران الربوع كيف تجتمع .

وأبعد من هذا لو أكل إنسان إنساناً وصار أجزاء المأكول في أجزاء الآكل فإن أعيدت أجزاء الآكل فلا يبقى للمأكول أجزاء تنخلق منها أعضاؤه وإما أن تعاد إلى بدن المأكول فلا يبقى للآكل أجزاء أصلية وأجزاء فضلية وفي المأكول كذلك ، فإذا أكل إنسان إنساناً صار الأصلي من أجزاء المأكول فضلياً من أجزاء الآكل والأجزاء الأصلية للآكل هي ما كان قبل الأكل فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله { وهو بكل خلق } أي : مخلوق { عليم } أي : يجمع الأصل من الفضل فيجمع الأجزاء الأصلية للآكل ويجمع الأجزاء الأصلية للمأكول وينفخ فيه روحه وكذلك يجمع أجزاءه المتفرقة في البقاع المتبددة بحكمته وقدرته .