{ قُلْ } تبكيتاً له بتذكير ما نسيه من فطرته الدالة على حقيقة الحال وإرشاده إلى طريقة الاستشهاد بها { يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا } أي أوجدها ورباها { أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي في أول مرة إذ لم يسبق لها إيجاد ولا شك أن الأحياء بعد أهون من الإنشاء قبل فمن قدر على الإنشاء كان على الأحياء أقدر وأقدر ، ولا احتمال لعروض العجز فإن قدرته عز وجل ذاتية لا تقبل الزوال ولا التغير بوجه من الوجوه . وفي «الحواشي الخفاجية » كان الفارابي يقول وددت لو أن أرسطو وقف على القياس الجلي في قوله تعالى : { قُلْ يُحْيِيهَا } الخ وهو الله تعالى أنشأ العظام وأحياها أول مرة وكل من أنشأ شيئاً أولاً قادر على إنشائه وإحيائه ثانياً فيلزم أن الله عز وجل قادر على إنشائها وإحيائها بقواها ثانياً ، والآية ظاهرة فيما ذهب إليه الإمام الشافعي قيل ومالك . وأحمد من أن العظم تحله الحياة فيؤثر فيه الموت كسائر الأعضاء وبنوا على ذلك الحكم بنجاسة عظم الميتة ومسألة حلول الحياة في العظم وعدمه مما اختلف فيه الفقهاء والحكماء ، واستدل من قال منهما بعدم حلولها فيه بأن الحياة تستلزم الحس والعظم لا إحساس له فإنه لا يتألم بقطعه كما يشاهد في القرن ، وما قد يحصل في قطع العظم من التألم إنما هو لما يجاوره ، وقال ابن زهر في كتاب التيسير : اضطرب كلام جالينوس في العظام هل لها إحساس أم لا والذي ظهر لي أن لها حساً بطيئاً وليت شعري ما يمنعها من التعفن والتفتت في الحياة غير حلول الروح الحيواني فيها انتهى .
وبعض من ذهب من الفقهاء إلى أن العظام لا حياة فيها بني عليه الحكم بطهارتها من الميتة إذ الموت زوال الحياة فحيث لم تحلها الحياة لم يحلها الموت فلم تكن نجسة . وأورد عليهم هذه الآية فقيل المراد بالعظام فيها صاحبها بتقدير أو تجوز أو المراد بإحيائها ردها لما كانت عليه غضة رطبة في بدن حي حساس ، ورجح هذا على إرادة صاحبها بأن سبب النزول لا بد من دخوله وعلى تلك الإرادة لا يدخل ، ويدخل على تأويل إحيائها بإعادتها لما كانت عليه ، ولا يخفى أن حمل الآية على ذلك خلاف الظاهر ، والظاهر مع الشافعية ومن الفقهاء القائلين بعدم نجاسة عظام الميتة من رأى قوة الاستدلال بالآية على أن العظام تحلها الحياة فعلل الطهارة بغير ما سمعت فقال : إن نجاسة الميتة ليست لعينها بل لما فيها من الرطوبة والدم السائل والعظم ليس فيه ذلك فلذا لم يكن نجساً ، ومنع الشافعية كون النجاسة للرطوبة وتمام الكلام في الفروع { وَهُوَ } عز وجل { بِكُلّ خَلْقٍ } أي مخلوق { عَلِيمٌ } مبالغ في العلم فيعلم جل وعلا بجميع الأجزاء المتفتتة المتبددة لكل شخص من الأشخاص أصولها وفروعها وأوضاع بعضها من بعض من الاتصال والانفصال والاجتماع والافتراق فيعيد كلاً من ذلك على النمط السابق مع القوى التي كانت قبل ، والجملة إما اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما تقدم أو معطوفة على الصلة ، والعدول إلى الاسمية للتنبيه على أن علمه تعالى بما ذكر أمر مستمر ليس كإنشائه للمنشآت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.