التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ} (10)

وقوله - تعالى - : { وَهَدَيْنَاهُ النجدين } بيان لنعمة أخرى هى أجل النعم وأعظمها

والنجد : الأرض المرتفعة ، وجمعه نجود ، ومنه سميت بلاد نجد بهذا الاسم ، لأنها مرتفعة عن غيرها . . والمراد بالنجدين هنا : طريق الخير . وطريق الشر ، أى : وهدينا هذا الإِنسان وأرشدناه إلى طريق الخير والشر ، عن طريق رسلنا الكرام ، وعن طريق ما منحناه من عقل ، يميز به بين الحق والباطل ، ثم وهبناه الاختيار لأحدهما ، كما قال - تعالى - : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } قال بعض العلماء : وكأنهما إنما سميا نجدين - أى : سبيل الخير والشر : لأنهما لما وضحت الدلائل ، وقربت الحجج ، وظهرت البراهين ، جعلا كالطريق المرتفعة العالية ، فى أنها واضحة لذوى الأبصار .

أو إنما سميا بذلك ، للإِشارة إلى أن كل منهما وعورة يشق معها السلوك ، ولا يصبر عليها إلا من جاهد نفسه وراضها ، وليس سلوك طريق الشر بأهون من سلوك الخير ، بل الغالب أن يكون طريق الشر ، أشق وأصعب ، وأحوج إلى الجهد . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ} (10)

واختلف الناس في " النجدين " فقال ابن مسعود وابن عباس والناس : طريق الخير وطريق الشر أي عرضنا عليه طريقهما وليست الهداية هنا بمعنى الإرشاد وقال ابن عباس أيضا والضحاك ( النجدان ) ثديا الأم ، وهذا مثال ، والنجد : الطريق المرتفع وأنشد الأصمعي :

كميش الإزار خارج نصف ساقه *** صبور على الأزراء طلاع أنجد{[11832]}


[11832]:رجل كميش الإزار: مشمره، والأرزاء: المصائب، واحدها: رزء، وطلاع : أنجد: ضابط للأمور غالب لها، والأنجد جمع نجد، وهو الطريق في الجبل إذا كان مرتفعا شديدا، والشاعر يصف الممدوح هنا بأنه سريع إلى الأمور، حاسم في مقابلتها بهمة ونشاط، وبأنه صبور على مصائب الدهر، وبأنه غالب للأمور متطلع للسامي منها.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ} (10)

والهداية : الدلالة على الطريق المبلِّغة إلى المكان المقصود السير إليه .

والنجد : الأرض المرتفعة ارتفاعاً دون الجبل . فالمراد هنا طريقان نجدان مرتفعان ، والطريق قد يكون مُنجداً مصعداً ، وقد يكون غوراً منخفضاً .

وقد استعيرت الهداية هنا للإِلهام الذي جعله الله في الإنسان يدرك به الضارّ والنافع وهو أصل التمدن الإنساني وأصل العلوم والهداية بدين الإسلام إلى ما فيه الفوز .

واستعير النجدان للخير والشر ، وجعلا نجدين لصعوبة اتباع أحدهما وهو الخير فغلِّب على الطريقين ، أو لأن كل واحد صعب باعتبار ، فطريق الخير صعوبته في سلوكه ، وطريق الشر صعوبته في عواقبه ، ولذلك عبر عنه بعدَ هذا ب{ العَقَبة } [ البلد : 11 ] .

ويتضمن ذلك تشبيه إعمال الفكر لنوال المطلوب بالسير في الطريق الموصل إلى المكان المرغوب كما قال تعالى : { إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً } [ الإنسان : 3 ] وتشبيه الإِقبال على تلقّي دعوة الإِسلام إذ شقّت على نفوسهم كذلك .

وأدمج في هذا الاستدلال امتنانٌ على الإِنسان بما وُهبه من وسائل العيش المستقيم .

ويجوز أن تكون الهداية هداية العقل للتفكير في دلائل وجود الله ووحدانيته بحيث لو تأمل لعَرف وحدانية الله تعالى فيكون هذا دليلاً على سبب مؤاخذة أهل الشرك والتعطيل بكفرهم في أزمان الخلو عن إرسال الرسل على أحد القولين في ذلك بين الأشاعرة من جهة ، وبين الماتريدية والمعتزلة من جهة أخرى .