التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ذُو مِرَّةٖ فَٱسۡتَوَىٰ} (6)

وقوله - تعالى - : { ذُو مِرَّةٍ فاستوى } صفة أخرى من صفات جبريل - عليه السلام - والمرة - بكسر الميم - تطلق على قوة الذات ، وحصافة العقل ورجاحته ، مأخوذ من أمررت الحبل ، إذا أحكمت فتله .

وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى - : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي العرش مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ . . }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ذُو مِرَّةٖ فَٱسۡتَوَىٰ} (6)

و { ذو مرة } معناه : ذو قوة ، قاله قتادة وابن زيد والربيع ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي »{[10682]} . وأصل المرة من مرائر الحبل{[10683]} ، وهي فتله وإحكام عمله ، ومنه قول امرئ القيس : [ الطويل ]

بكل ممر الفتل شد بيذبل***{[10684]}

وقال قوم ممن قال إن ذا المرة جبريل . معنى : { ذو مرة } ذو هيئة حسنة وقال آخرون : بل معناه ذو جسم طويل حسن .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كله ضعيف{[10685]} .

و { استوى } مستند إلى الله تعالى في قول الحسن الذي قال : إنه لمتصف : ب { شديد القوى } ، وكذلك يجيء قوله : { وهو بالأفق الأعلى } صفة الله تعالى على معنى وعظمته وقدرته وسلطانه تتلقى نحو «الأفق الأعلى » ، ويجيء المعنى نحو قوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى }{[10686]} [ طه : 5 ] ، ومن قال إن المتصف ب { شديد القوى } هو جبريل عليه السلام قال : إن { استوى } مستند إلى جبريل ، واختلفوا بعد ذلك ، فقال الربيع والزجاج : المعنى : { فاستوى } جبريل في الجو ، وهو إذ ذاك ، { بالأفق الأعلى } إذ رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء قد سد الأفق ، له ستمائة جناح ، وحينئذ دنا من محمد حتى كان { قاب قوسين } ، وكذلك هو المراد في هذا القول النزلة الأخرى في صفته العظيمة له ستمائة جناح عند السدرة وقال الطبري والفراء المعنى : { فاستوى } جبريل .


[10682]:أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، وأحمد، عن عبد الله بن عمرو. والسوي: الصحيح السليم الأعضاء.
[10683]:في اللسان:"المرائر: الحبال المفتولة على أكثر من طاق، واحدها مرير ومريرة" وفيه "كل قوة من قوى الحبل مِرة، وجمعها مِرر".
[10684]:هذا عجز بيت لامرئ القيس، روي بهذه الألفاظ، وورد هكذا في الأصول، ولكن الرواية الثابتة في الديوان، وفي شرح القصائد السبع لأبي بكر الأنباري، وفي موسوعة الشعر العربي تختلف عن ذلك، وليسفيها شاهد هنا، والبيت بتمامه كما في الديوان: فيا لك من ليل كأن نجومه بكل مُغار الفتل شُدت بيذبل ويروى:(كأن نجومه بأمراس كتان إلى صم جندل)، وقد قال ابن الأنباري: إن الأصمعي لم يرو هذا البيت ضمن معلقة امرئ القيس، ورواه يعقوب وغيره، قال يعقوب: معناه: كأن نجومه شُدّت بيذبل، وهو الجبل، والمغار: الحبل الشديد الفتل، وكذلك (ممر الفتل) معناه: مُحكم الفتل، وقوله:(من ليل) معناه التفسير للتعجيب، ولم يستشهد بهذا البيت أحد من المفسرين المعروفين كالطبري والقرطبي والزمخشري لأن الرواية الصحيحة ليست فيها كلمة(مرة أو مُمِرّ).
[10685]:استشهد المفسرون على ذلك بأبيات من الشعر، ولكن ابن عطية لم يقبلها ويرى أنها أقوال ضعيفة.
[10686]:الآية(5) من سورة (طه).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ذُو مِرَّةٖ فَٱسۡتَوَىٰ} (6)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ذو مرة} يعني جبريل، عليه السلام، يقول: ذو قوة.

{فاستوى} يعني سويا، حسن الخلق.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"ذُو مِرّةٍ فاسْتَوَى "اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "ذُو مِرّةٍ"؛

فقال بعضهم: معناه: ذو خَلْق حَسَن...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ذو قوّة... قال ابن زيد، في قوله: "ذُو مِرّةٍ فاسْتَوَى" قال: ذو قوّة، المرّة: القوّة...

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بالمِرّة: صحة الجسم وسلامته من الآفات والعاهات، والجسم إذا كان كذلك من الإنسان، كان قويا، وإنما قلنا إن ذلك كذلك، لأن المِرة واحدة المِرر، وإنما أُريد به: ذو مِرّة سوية. وإذا كانت المِرّة صحيحة، كان الإنسان صحيحا. ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تَحِلّ الصّدَقَةُ لِغَنِيّ، وَلا لِذِي مِرّةٍ سِوِيّ».

وقوله: "فاسْتَوَى وَهُوَ بالأُفُقِ الأعْلَى" يقول: فاستوى هذا الشديد القويّ وصاحبكم محمد بالأفق الأعلى، وذلك لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم استوى هو وجبريل عليهما السلام بمطلع الشمس الأعلى، وهو الأفق الأعلى، وعطف بقوله: «وهو» على ما في قوله: «فاستوى» من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم... وقد قيل: إن المستوي: هو جبريل، فإن كان ذلك كذلك، فلا مُؤْنة في ذلك، لأن قوله: وهو من ذكر اسم جبريل، وكأن قائل ذلك وجّه معنى قوله: "فاسْتَوَى": أي ارتفع واعتدل.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

["ذو مِرة"]... وأصله من أمررت الحبل إذا أحكمت فتله.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

"ذو مرة " صفة لجبرائيل (عليه السلام) أي صاحب مرة، وهي القوة. وأصل المرة شدة الفتل، وهو ظاهر في الحبل الذي يستمر به الفتل حتى ينتهي إلى ما يصعب به الحل. ثم تجري المرة على القدرة، لأنه يتمكن بها من الفعل، كما يتمكن من الفعل بالآلة، فالمرة والقوة والشدة نظائر. وقوله " فاستوى " معناه استولى بعظم القوة، فكأنه استوت له الأمور بالقوة على التدبير.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{ذُو مِرَّةٍ} ذو حصافة في عقله ورأيه ومتانة في دينه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ذو مرة} أي حزم في قوة وقدرة عظيمة على الذهاب فيما أمر به والطاقة لحمله في غير آية النشاط والحدة كأنه ذو مزاج غلبت عليه الحدة فهو صعب المراس ماض...

على طريقة واحدة على غاية من الشدة لا توصف لا التفات له بوجه إلى غير ما أمر به، فهو على غاية الخلوص فهو مجتمع القوى مستحكم الشأن شديد الشكيمة...

وإلى ذلك كله أشار بما سبب عن هذا من قوله: {فاستوى} فاستقام واعتدل بغاية ما يكون من قوته على أكمل حالاته في الصورة التي فطر عليها...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمستوي هو جبريل. ومعنى استوائه: قيامه بعزيمة لتلقي رسالة الله، كما يقال: استقل قائماً، ومثل: بين يدي فلان، فاستواء جبريل هو مبدأ التهيُّؤ لقبول الرسالة من عند الله، ولذلك قيد هذا الاستواء بجملة الحال في قوله: {وهو بالأفق الأعلى}. والضمير لجبريل لا محالة، أي قبل أن ينزل إلى العالم الأرضي.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

وهنا قال: {ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ} أي صاحب (مِرَّة) وهي القوة في كل ما يتناوله...

ومعنى {فَٱسْتَوَىٰ} علَّمه جبريل حتى استوى رسول الله ونضج في عملية التحصيل الكافي لهداية العالم، فحمَّله هذه المهمة ليهدي الناس...