التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ ٱلنَّاسَ شَيۡـٔٗا وَلَٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (44)

ثم بين - سبحانه - سنة من سننه التي لا تتخلف فقال : { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئاً ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } .

أى : إن الله - تعالى - قد اقتضت سننه في خلقه ، أن لا يظلمهم شيئاً ، كأن يعذبهم - مثلا - مع إيمانهم وطاعتهم له ، أو كأن ينقصهم شيئا من الأسباب التي يهتدون باستعمالها إلى ما فيه خيرهم . . ولكن الناس هم الذين يظلمون أنفسهم ، بإيرادها موارد المهالك عن طريق اجتراح السيئات ، واقتراف الموبقات ، الموجبة للعقوبات في الدنيا والآخرة .

وبذلك نرى أن هذه الآية الكريمة ، قد نفت تصور أن يكون هذا القرآن من عند غير الله ، وتحدث المشركين أن يأتوا بسورة مثله ، ووصمتهم بالتسرع في الحكم على شيء لم يحيطوا بعلمه ، وأمرت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يثبت على دعوة الحق ، سواء استجاب له الناس أم لم يتسجيبوا ، وأن الله - تعالى - قد اقتضت حكمته ألا يعذب الناس إلا إذا فعلوا ما يوجب العقوبة ، وصدق الله إذ يقول : { مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ الله شَاكِراً عَلِيماً }

ثم صور - سبحانه - ما عليه أولئك الجاحدون من جهالات مطبقة ، وغباء مستحكم فقال - تعالى - : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ . وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي العمي وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ } .

أى : ومن هؤلاء المشركين - يا محمد - من يستمعون إليك وأنت تقرأ عليهم القرآن وترشدهم إلى ما ينفعهم ، ولكنهم يستمعون بلا تدبر أو فهم ، فهل أنت - يا محمد - في إمكانك أن تسمع الصم ، ولو انضم إلى صممهم عدم تعقلهم ، لأن الأصم العاقل - كما يقول صاحب الكشاف - ربما تفرس واستدل إذا وقع في صماخه دوى الصوت ، فإذا اجتمع سلب السمع والعقل جميعا فقد تم الأمر .

ومنهم - أيضاً - من ينظر إليك ، ويشاهد البراهين الدالى على صدقك ، فإن وجهك ليس بوجه كذاب ، ولكنه لا يتبع دعوتك جحودا وعنادا ، فهل أنت في إمكانك أن تهدي العمى ولو انضم إلى فقدان بصرهم فقدان بصيرتهم فأنت ترى أن هاتين الآيتين قد نعتا على المشركين جهالاتهم ، وانطماس بصيرتهم ، بحيث صاروا لا ينتفعون بنعم الله التي أنعم بها عليهم .

فقد وصمهم - سبحانه - يفقدان السمع والبصر والعقل ، مع أنهم يسمعون ويبصرون ويعقلو ، لأنهم لما لم يستعملوا نعم الله فيما خلقت له ، صارت هيا والعدم سواء .

والاستفهام في الآيتين للإِنكار والاستبعاد .

وجواب { لو } في الآيتين محذوف لدلالة ما قبله عليه ، والجملة معطوفة على جملة مقدرة مقابلة لها . أى : أفأنت تسمع الصم لو كانوا يعقلون ولو كانوا لا يعقلون ، على معنى أفأنت تستطيع إسماعهم في الحالتين ؟ كلا لا تستطيع ذلك وإنما القادر على ذلك هو الله وحده .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ ٱلنَّاسَ شَيۡـٔٗا وَلَٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (44)

قرأت فرقة : «ولكنْ الناس » بتخفيف «لكِن » ورفع «الناسُ » ، وقرأت فرقة «ولكنّ » بتشديد «لكنّ » ونصب «الناسَ » ، وظلم الناس لأنفسهم إنما هو بالتكسب منهم الذي يقارن اختراع الله تعالى لأفعالهم ، وعرف «لكن » إذا كان قبلها واو أن تثقل وإذا عريت من الواو أن تخفف ، وقد ينخرم هذا ، وقال الكوفيون : قد يدخل اللام في خبر «لكن » المشددة على حد دخولها في «أن » ومنع ذلك البصريون .