وقوله : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ الناسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ الناسَ }
للعرب في ( لكن ) لغتان : تشديد النون وإسكانها . فمن شدّدها نصب بها الأسماء ، ولم يلها فَعَلَ ولا يَفْعَل . ومَن خفَّف نُونها وأسكنها لم يُعمِلها في شيء اسمٍ ولا فعل ، وكان الذي يعمل في الاسم الذي بعدها ما معه ، ينصبه أو يرفعه أو يخفضه ؛ من ذلك قوله { ولكِنِ الناسُ أَنفسهم يظلِمون } { ولكِنِ اللّهُ رَمَى } { ولكِنِ الشياطينُ كفروا } رُفعت هذه الأحرف بالأفافيل التي بعدها . وأما قوله { ما كان محمد أَبا أَحدٍ مِن رِجالِكم ولكِن رسولَ اللّهِ } فإنك أضمرت ( كان ) بعد ( لكن ) فنصبت بها ، ولو رفعته على أن تضمر ( هو ) : ولكن هو رسول الله كان صوابا . ومثله { وما كان هذا القرآن أن يفترى مِن دونِ اللّهِ ولكِن تصدِيقَ الذي بين يديه } و ( تصدِيقُ ) . ومثله { ما كان حدِيثا يفترى ولكِن تصدِيقَ الذي بين يديه } ( وتصديقُ ) .
فإذا ألقيت من ( لكن ) الواو التي في أوّلها آثرت العربُ تخفيف نونها . وإذا أدخلوا الواو وآثروا تشديدها . وإنما فعلوا ذلك لأنها رجوع عما أصاب أوّل الكلام ، فشبِّهت ببل إذْ كان رجوعا مثلها ؛ ألا ترى أنك تقول : لم يقم أخوك بل أبوك ثم تقول : لم يقم أخوك لكن أبوك ، فتراهما بمعنى واحد ، والواو لا تصلح في بل ، فإذا قالوا ( ولكن ) فأدخلوا الواو تباعدت من ( بل ) إذ لم تصلح الواو في ( بل ) ، فآثروا فيها تشديد النون ، وجعلوا الواو كأنها واو ودخلت لعطفٍ لا لمعنى بل .
وإنما نصبت العربُ بها إذا شُدّدت نونها لأن أصلها : إنّ عبد الله قائم ، فزيدت على ( إن ) لام وكاف فصارتا جميعا حرفا واحدا ؛ ألا ترى أن الشاعر قال :
*** ولكننِي مِن حُبّها لكَميد ***
فلم تدخل اللام إلا لأن معناها إنّ .
وهي فيما وصلت به من أوّلها بمنزلة قول الشاعر :
لهِنَّكِ من عَبْسِيّةٍ لوِسيمةٌ *** على هُنُواتٍ كاذبٍ من يقولها
وصل ( إنّ ) ها هنا بلام وهاء ؛ كما وصلها ثَمَّ بلام وكاف . والحرف قد يوصل من أوّله وآخره . فما وصل من أوله ( هذا ) ، ( ها ذاك ) ، وصل ب ( ها ) من أوّله . ومما وصل من آخره . قوله : { إما تُرِيَنِّي ما يُوعدون } ، وقوله : لتذهبن ولتجلسن . وصل من آخره بنون وب ( ما ) . ونرى أن قول العرب : كم مالك ، أنها ( ما ) وصلت من أولها بكاف ، ثم إن الكلام كثر ب ( كم ) حتى حذفت الألف من آخرها فسكنت ميمها ؛ كما قالوا : لِمْ قلت ذاك ؟ ومعناه : لِمَ قلت ذاك ، ولما قلت ذاك ؟ قال الشاعر :
يا أبا الأسود لِمْ أسلمتني *** لهموم طارقات وذِكر
وقال بعض العرب في كلامه وقيل له : منذ كم قعد فلان ؟ فقال : كَمُذْ أخذتَ في حديثك ، فردُّه الكاف في ( مذ ) يدلّ على أن الكاف في ( كم ) زائدة . وإنهم ليقولون : كيف أصبحت ، فيقول : كالخير ، وكخير . وقيل لبعضهم : كيف تصنعون الأَقِط ؟ فقال : كهيّن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.