فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ ٱلنَّاسَ شَيۡـٔٗا وَلَٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (44)

قوله : { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئًا ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ذكر هذا عقب ما تقدّم من عدم الاهتداء بالأسماع والأبصار ، لبيان أن ذلك لم يكن لأجل نقص فيما خلقه الله لهم من السمع والعقل ، والبصر والبصيرة ، بل لأجل ما صار في طبائعهم من التعصب والمكابرة للحق ، والمجادلة بالباطل ، والإصرار على الكفر ، فهم الذين ظلموا أنفسهم بذلك ، ولم يظلمهم الله شيئاً من الأشياء ، بل خلقهم وجعل لهم من المشاعر ما يدركون به أكمل إدراك ، وركب فيهم من الحواس ما يصلون به إلى ما يريدون ، ووفر مصالحهم الدنيوية عليهم ، وخلى بينهم وبين مصالحهم الدينية ، فعلى نفسها براقش [ تجني ] ، وقرأ حمزة والكسائي { ولكن الناس } بتخفيف النون ورفع الناس ، وقرأ الباقون بتشديدها ونصب الناس .

قال النحاس : زعم جماعة من النحويين منهم الفراء ، أن العرب إذا قالت «ولكن » بالواو شدّدوا النون ، وإذا حذفوا الواو خففوها . قيل : والنكتة في وضع الظاهر موضع المضمر زيادة التعيين والتقرير ، وتقديم المفعول على الفعل لإفادة القصر ، أو لمجرد الاهتمام مع مراعاة الفاصلة .

/خ49