التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

ثم لقن الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم الجواب الذى يرد به عليهم فقال : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ } .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الجاحدين : إنما أنا بشر مثلكم فى الصفات البشرية أوجدنى الله - تعالى - بقدرته كما أوجدكم ، وينتهى نسبى ونسبكم إلى آدم - عليه السلام - إلا أن الله - تعالى - قد اختصنى بوحيه ورسالته - وهو أعلم حيث يجعل رسالته - وأمرنى أن أبلغكم أن إلهكم وخالقكم .

. هو إله واحد لا شريك له ، فعليكم أن تخلصلوا له العبادة والطاعة .

وقوله : { فاستقيموا إِلَيْهِ واستغفروه } أى : فالزموا الاستقامة فى طريقكم إليه - تعالى - بالإِيمان به وطاعته والإخلاص فى عبادته .

وقوله - تعالى - : { . . وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ . الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ } تهديد لهم بسوء المصير إذا استمروا على عنادهم وشركهم .

والويل : لفظ دال على الشر أو الهلاك ، وهو مصدر لافعل له من لفظه ، والمراد به هنا : الدعاء عليهم بالخزى والهلاك .

أى : فهلاك وخزى وعقاب شديد لهؤلاء المشركين ، الذين لا يؤتون الزكاة ، أى : لا يؤمنون بها ، ولا يخرجونها إلى مستحقيها ، ولا يعملون على تطهير أنفسهم بأدائها . . . وفضلا عن كل ذلك فهم بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب كافرون .

قال ابن كثير : والمراد بالزكاة ها هنا : طهارة النفس من الأخلاق المرذولة . . .

وقال قتادة : يمنعون زكاة أموالهم ، واختاره ابن جرير . .

وفيه نظر ، لأن إيجاب الزكاة إنما كان فى السنة الثانية من الهجرة ، وهذه الآية مكية . اللهم إلا أن يقال : لا يبعد أن يكون أصل الزكاة - وهو الصدقة - كان مأمورا به فى ابتداء البعثة ، كقوله - تعالى - : { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بين أمرها فى المدينة ، ويكون هذا جمعا بين القولين . .

وقال بعض العلماء : قد استدل بعض علماء الأصول بهذه الآية الكريمة على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ، لأنه - تعالى - صرح فى هذه الآية الكريمة ، بأنهم مشركون ، وأنهم كافرون بالآخرة ، وقد توعدهم - سبحانه - بالويل على كفرهم بالآخرة ، وعدم إيتائهم الزكاة ، سواء أقلنا إن الزكاة فى الآية هى الزكاة المال المعروفة ، أو زكاة الأبدان عن طريق فعل الطاعات ، واجتناب المعاصى .

ورجع بعضهم - أن المراد بالزكاة هنا زكاة الأبدان - لأن السورة مكية وزكاة المال المعروفة إنما فرضت فى السنة الثانية من الهجرة .

وعلى أية حال فالآية تدل على خطاب الكفار بفروع الإِسلام .

أعنى امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، وما دلت عليه هذه الآية من أنهم مخاطبون بذلك ، وأنهم يعذبون على الكفر والمعاصى ، جاء موضحا فى آيات أخر كقوله - تعالى - : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المصلين . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المسكين . وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخآئضين . . } وخص - سبحانه - من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونا بالكفر بالآخرة ، لأن أحب شئ إلى الإِنسان ماله ، وهو شقيق روحه ، فإذا بذله للمتحاجين ، فذلك أقوى دليل على استقامته ، وصدق نيته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

وقوله تعالى : { الذين لا يؤتون الزكاة } قال الحسن وقتادة وغيرهما{[10036]} : هي زكاة المال . وروي : الزكاة قنطرة الإسلام ، من قطعها نجا ، ومن جانبها هلك{[10037]} . واحتج لهذا التأويل بقول أبي بكر في الزكاة وقت الردة{[10038]} . وقال ابن عباس والجمهور : { الزكاة } في هذه الآية : لا إله إلا الله التوحيد كما قال موسى لفرعون : { هل لك إلى أن تزكى }{[10039]} ويرجح هذا التأويل أن الآية من أول المكي ، وزكاة المال إنما نزلت بالمدينة ، وإنما هذه زكاة القلب والبدن ، أي تطهيرهما{[10040]} من الشرك والمعاصي ، وقاله مجاهد والربيع . وقال الضحاك ومقاتل : معنى { الزكاة } هنا : النفقة في الطاعة ، وأعاد الضمير في قوله : { هم كافرون } توكيداً .


[10036]:في الأصول: (وغيره).
[10037]:أخرجه عبد الرزاق، وعبد بن حميد، عن قتادة، أنه قال: (كان يقال: الزكاة قنطرة الإسلام... الخ)، وهكذا أيضا أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره.
[10038]:كان أهل الردة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: (أما الصلاة فنصلي، وأما الزكاة فوالله لا تغضب أموالنا)، فقال أبو بكر رضي الله: (والله لا أفرق بين شيء جمع الله بينه، والله لو منعوني عقالا مما فرض الله ورسوله لقاتلتهم عليه).
[10039]:من الآية (18) من سورة (النازعات).
[10040]:في الأصول: (أي تطهيره).