التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ} (34)

ثم تحكى السورة الكريمة بعد ذلك جانبا من الأقوال الزائفة ، التى كان المترفون يتذرعون بها للبقاء على كفرهم ، ومن الإِجابات التى لقنها - سبحانه - لنبيه صلى الله عليه وسلم لكى يخرس بها ألسنتهم ، ويزيل بها شبهاتهم قال - تعالى - { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ . . . وَهُوَ خَيْرُ الرازقين } .

قال صاحب الكشاف عند تفسيره لقوله - تعالى - : { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ . . . } : هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما منى به من قومه من التكذيب والكفر بما جاء به ، والمنافسة بكثرة الأموال والأولاد ، والتكبر بذلك على المؤمنين . . وأنه - سبحانه - لم يرسل قط إلى أهل قرية من نذير ، إلا قالوا له مثل ما قال أهل مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

والمعنى : ما أرسلنا فى قرية ، من القرى { مِّن نَّذِيرٍ } ينذر أهلها بسوء العاقبة إذا ما استمروا على كفرهم وضلالهم . { إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ } أى : إلا قال أغنياؤها ورؤساؤها وجبابرتها المتسعون فى النعم فيها ، لمن جاءوا لإِنذارهم وهدايتهم إلى الحق .

{ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ } من الدعوة إلى عبادة الله - تعالى - { كَافِرُونَ } بما نحن عليه من شرك وتقليد للآباء مؤمنون .

فالآية الكريمة تحكى موقف المترفين فى كل أمة ، من الرسل الذين جاءوا لهدايتهم ، وأن هؤلاء المترفين فى كل زمان ومكان ، كانوا أعداء وللمصلحين ، لأن التفرق من شأنه أن يفسد الفطرة ، ويبعث على الغرور والتطاول ، ويحول بين الإِنسان وبين التمسك بالفضائل والقيم العليا ، ويهدى إلى الانغماس فى الرذائل والشهوات الدنيا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ} (34)

{ وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما مني به من قومه ، وتخصيص المتنعمين بالتكذيب لأن الداعي المعظم إليه التكبر والمفاخرة بزخارف الدنيا والانهماك في الشهوات والاستهانة بمن لم يحظ منها ، ولذلك ضموا التهكم والمفاخرة إلى التكذيب فقالوا : { إنا بما أرسلتم به كافرون } على مقابلة الجمع بالجمع .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ} (34)

اعتراض للانتقال إلى تسلية النبي صلى الله عليه وسلم مما مُنيَ به من المشركين من أهل مكة وبخاصة مَا قابله به سادتهم وكبراؤهم من التأليب عليْه بتذكيره أن تلك سنة الرسل من قبله فليس في ذلك غضاضة عليه ، ولذلك قال في الآية في الزخرف { وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة ( 23 ) الخ ، أي وكذلك التكذيب الذي كذبك أهل هذه القرية . والتعريض بقومه الذين عادَوه بتذكيرهم عاقبة أمثالهم من أهل القرى التي كذَّب أهلها برسلهم وأغراهم بذلك زعماؤهم .

والمترَفون : الذين أُعطُوا التَرَف ، والترف : النعيم وسعة العيش ، وهو مبني للمفعول بتقدير : إن الله أترفهم كما في قوله تعالى : { وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا } في سورة المؤمنون ( 33 ) .

وفي بنائه للمفعول تعريض بالتذكير بنعمة الله عليهم لعلّهم يشكرونها ويقلعون عن الإِشراك به ، وبعض أهل اللغة يقول تقديره : أترفتهم النعمة ، أي أبطرتهم .

و{ إنا بما أرسلتم } حكاية للقول بالمعنى : أي قال مترفو كل قرية لرسولهم : إنا بما أرسلتَ به كافرون . وهذا من مقابلة الجمع بالجمع التي يراد منها التوزيع على آحاد الجمع .

وقولهم : { أرسلتم به } تهكم بقرينة قولهم : { كافرون } وهو كقوله تعالى : { وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون } [ الحجر : 6 ] ؛ أو المعنى : إنّا بما ادّعيتم أنكم أرسلتم به .