التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (62)

ثم أكد - سبحانه - صدق ما أخبر به عن عيسى وغيره فقال : { إِنَّ هذا لَهُوَ القصص الحق وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله وَإِنَّ الله لَهُوَ العزيز الحكيم } .

أى إن الذى قصصناه عليك وأخبرناك به يا محمد من شأن عيسى ومن كل شأن من الشؤون لهو القصص الثابت الذى لا مجال فيه لإنكار منكر ، ولا لتشكيك متشكك .

وقد أكد - سبحانه - صدق هذا القصص بحرف إن وباللام فى قوله { لَهُوَ } وبضمير الفصل " هو " وبالقصر الذى تضمنه تعريف الطرفين وذلك ليكون الرد حاسما على كل منكر ما أخبر الله به فى شأن عيسى - عليه السلام - وفى كل ما قصه على نبيه صلى الله عليه وسلم .

وقوله { وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله } نفى قاطع لأن يكون هناك إله سوى الله - تعالى - وإثبات بأن الألوهية الحقة إنما هي لله رب العالمين .

وقد أكد - سبحانه - نفى الألوهية عن غيره بكلمة { مِنْ } المفيدة لاستغراق النفى استغراقا مستمرا ثابتا مؤكدا .

وقوله { وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله } " ما " النافية ، و " إله " فى قوله { مِنْ إله } مبتدأ و { مِنْ } مزيدة فيه ، و { إِلاَّ الله } خبره والتقدير : وما إله إلا الله ، وزيدت من للاستغراق والعموم .

وقوله { وَإِنَّ الله لَهُوَ العزيز الحكيم } تذييل قصد به تأكيد قصر الألوهية على الله - تعالى - وحده ، أى وإن الله - تعالى - لهو المنفرد بالألوهية وحده ؛ لأنه هو الغالب الذى يقهر ولا يقهر ، الحكيم في كل ما يخلقه ويدبره .

وفى هذا التذييل أيضاً رد على أولئك الضالين الذين يزعمون أن المسيح إله ويعتقدون مع ذلك أنه صلب ولم يستطع أن يدافع عن نفسه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (62)

{ إن هذا } أي ما قص من نبأ عيسى ومريم . { لهو القصص الحق } بجملتها خبر إن ، أو هو فصل يفيد أن ما ذكره في شأن عيسى ومريم حق دون ما ذكروه ، وما بعده خبر واللام دخلت فيه لأنه أقرب إلى المبتدأ من الخبر ، وأصلها أن تدخل على المبتدأ { وما من إله إلا الله } صرح فيه ب{ من } المزيدة للاستغراق تأكيدا للرد على النصارى في تثليثهم { وإن الله لهو العزيز الحكيم } لا أحد سواه يساويه في القدرة التامة والحكمة البالغة ليشاركه في الألوهية .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (62)

{ هذا } خبر من الله تعالى جزم مؤكد فصل به بين المختصمين ، والإشارة ب{ هذا } هي إلى ما تقدم في أمر عيسى عليه السلام ، قاله ابن عباس وابن جريج وابن زيد وغيرهم : و{ القصص } معناه الأخبار ، تقول : قص يقص ، قصاً وقصصاً ، إذا تتبع الأمر يخبر به شيئاً بعد شيء ، قال قوم : هو مأخوذ من قص الأثر ، وقوله { لهو } يحتمل أن يكون فصلاً ويحتمل أن يكون ابتداء ، و{ من } قوله { من إله } مؤكدة بعد النفي ، وهي التي يتم الكلام دونها لكنها تعطي معنى التأكيد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (62)

جملة { إن هذا لهو القصص الحق } وما عطف عليها بالواو اعتراض لبيان ما اقتضاه قوله : { الكاذبين } [ آل عمران : 61 ] لأنهم نفوا أن يكون عيسى عبد الله ، وزعموا أنه غلب فإثبات أنه عبد هو الحق .

واسم الإشارة راجع إلى ما ذكر من نفي الإلهية عن عيسى .

والضمير في قوله لَهو القصصُ ضمير فصل ، ودخلت عليه لام الابتداء لزيادة التقوية التي أفادَها ضمير الفصل ؛ لأنّ اللام وَحدها مفيدة تقوية الخبر وَضمير الفصل يفيد القصر أي هذا القصص لا ما تَقُصُّه كتُب النصارى وعَقائِدهم .

والقصَص بفتح القاف والصاد اسم لما يُقَص ، يقال : قَصّ الخبر قَصّاً إذا أخبر به ، والقَصُّ أخص من الإخبار ؛ فإنّ القص إخبار بخبرٍ فيه طولٌ وتفصيل وتسمى الحادثة التي من شأنها أن يُخبر بها قِصة بكسر القاف أي مقصوصة أي مما يقُصها القُصّاص ، ويقال للذي ينتصب لتحديث الناس بأخبار الماضين قَصّاص بفتح القاف . فالقصصُ اسم لما يُقص : قال تعالى : { نحن نقص عليك أحسن القصص } وقيل : هو اسم مصدر وليس هو مصدراً ، ومن جرى على لسانه من أهل اللغة أنه مصدر فذلك تسامح من تسامح الأقدمين ، فالقصّ بالإدغام مصدر ، والقصص بالفَكّ اسم للمصدر واسم للخبر المقصوص .

وقوله : { وما من إله إلا الله } تأكيد لحقيَّة هذا القصص . ودخلت من الزائدة بعد حرف نفي تنصيصاً على قصد النفي الجنس لتدل الجملة على التوحيد ، ونفي الشريك بالصراحة ، ودلالةِ المطابقة ، وأن ليس المراد نفي الوحدة عن غير الله ، فيوهم أنه قد يكون إلاَ هَان أو أكثر في شقّ آخر ، وإن كان هذا يؤول إلى نفي الشريك لكن بدلالة الالتزام .

وقوله : { وإن الله لهو العزيز الحكيم } فيه ما في قوله : { إن هذا لهو القصص الحق } فأفاد تقوية الخَبر عَن الله تعالى بالعزّة والحكم ، والمقصود إبطال إلهية المسيح على حسب اعتقاد المخاطبين من النصارى ، فإنهم زعموا أنه قتله اليهود وذلك ذِلّة وعجز لا يلتئمان مع الإلهية فكيف يكون إله وهو غير عزيز وهو محكوم عليه ، وهو أيضاً إبطال لإلهيته على اعتقادنا ؛ لأنه كان محتَاجَاً لإنقاذه من أيدي الظالمين .