ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ، بأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس ، أنه لا يريد من وراء دعوته عرضا زائلا من أعراض الدنيا فقال { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ المتكلفينِ } : أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين وغيرهم : إنى لا أسألكم أجرا على تبليغكم ما أمرنى الله بتبليغه إليكم ، وما أنا من الذين يتكلفون ويتصنعون القول أو الفعل الذى لا يحسنونه ، بل أنا رسول من عند الله وصادق فيما أبلغه عنه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قل ما أسألكم عليه من أجر} من جُعْل.
{وما أنا من المتكلفين} هذا القرآن من تلقاء نفسي.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قل يا محمد لمشركي قومك القائلين لك "أأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذّكْرُ مِنْ بَيْنِنا": ما أسألكم على هذا الذكر وهو القرآن الذي أتيتكم به من عند الله أجرا، يعني ثوابا وجزاء.
"وما أنا مِنَ المُتَكَلّفِينَ": وما أنا ممن يتكلف تخرّصَه وافتراءه، فتقولون: "إنْ هَذَا إِلاّ إفْكٌ افَتَراهُ "و "إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاَقٌ"...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أحدها: لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من الشرف والذكر في الدنيا والآخرة من أجر، ولا أحد في الشاهد ممن يبذل للأجر من الشرف أو الذكر، ولا يعطيه ذلك إلا بأجر، فكيف يتركون اتباعي، ولا يقبلون ذلك مني؟
والثاني: لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من أجر، فيمنعكم ثقل ذلك الأجر وذلك الغرم عن إجابتي كقوله: عز وجل: {أم نسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} [الطور: 40 والقلم: 46]
{وما أنا من المتكلفين}... المتكلف عند الناس في الظاهر، هو الذي يفعل، ويقول بلا إذن، وقال أبو عوسجة: المتكلف، هو الذي يتكلف ما لا يعنيه، ويفعل مالم يؤمر به، وجائز أن يكون قوله عز وجل: {وما أنا من المتكلفين} أي ما أنا من المتحملين مما حملتم إذا خالفتموني.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
" وما أنا من المتكلفين "ولست ممن يتعسف في طلب الأمر الذي لا يقتضيه العقل، وصفة (متكلف) صفة تجري مجرى الذم، فلذلك قال "وما انا من المتكلفين"، لأنه لا يدعو إلا إلى الأمر الجميل الذي يقتضيه الحق...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
ما جئتكم من حيث أنا، ولا باختياري، وإنما أُرْسِلْتُ إليكم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَمَا أَنَا مِنَ المتكلفين} من الذين يتصنعون ويتحلون بما ليسوا من أهله، وما عرفتموني قط متصنعاً ولا مدّعياً ما ليس عندي، حتى أنتحل النبوّة وأتقوّل القرآن.
اعلم أن الله تعالى ختم هذه السورة بهذه الخاتمة الشريفة؛ وذلك لأنه تعالى ذكر طرقا كثيرة دالة على وجوب الاحتياط في طلب الدين، ثم قال عند الختم: هذا الذي أدعو الناس إليه يجب أن ينظر في حال الداعي، وفي حال الدعوة ليظهر أنه حق أو باطل. أما الداعي وهو أنا، فأنا لا أسألكم على هذه الدعوة أجرا ومالا، ومن الظاهر أن الكذاب لا ينقطع طمعه عن طلب المال البتة، وكان من الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم كان بعيدا عن الدنيا عديم الرغبة فيها.
وأما كيفية الدعوة فقال:"وما أنا من المتكلفين"، والمفسرون ذكروا فيه وجوها، والذي يغلب على الظن أن المراد أن هذا الذي أدعوكم إليه دين ليس يحتاج في معرفة صحته إلى التكلفات الكثيرة، بل هو دين يشهد صريح العقل بصحته.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما تم ما أراد من الدليل على أن ما ذكره لهم نبأ عظيم هم عنه معرضون بما أخبر به من الغيب مع ما له من الإعجاز، فثبت بذلك ما اقتضى أنه صادق في نسبته إلى الله تعالى، وختم بالتحذير من اتباع إبليس، أمره بالبراءة من طريقه وأن ينفي عن نفسه ما قد يحمل على التقول بقوله: {قل} أي لأمتك: {ما أسئلكم} سؤالاً مستعلياً، وعلق به لا "بأجر "قوله: {عليه} أي على التبليغ والإنذار مما أنتم متعرضون له من الهلاك بالإعراض، فأداة الاستعلاء للاحتراز عن سؤال المودة في القربى وحسن الاتباع فإنهما مسؤولان وهما روح الدين، ولكن سؤالهما ليس مستعلياً على الإبلاغ بحيث إنهما لو انتفيا انتفى، وأعرق في النفي بقوله: {من أجر} أي فيكون لكم في الرد شبهة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إنها الدعوة الخالصة للنجاة، بعد كشف المصير وإعلان النذير. الدعوة الخالصة التي لا يطلب صاحبها أجراً وهو الداعية السليم الفطرة، الذي ينطق بلسانه، لا يتكلف ولا يتصنع، ولا يأمر إلا بما يوحي منطق الفطرة القريب...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لمّا أمر الله رسوله بإبلاغ المواعظ والعبر التي تضمنتها هذه السورة أمره عند انتهائها أن يقرع أسماعهم بهذا الكلام الذي هو كالفذلكة للسورة تنهية لها، تسجيلاً عليهم أنه ما جاءهم إلا بما ينفعهم وليس طالباً من ذلك جزاء، أي لو سألهم عليه أجراً لراج اتّهامهم إياه بالكذب لنفع نفسه، فلما انتفى ذلك وجب أن ينتفي توهم اتهامه بالكذب؛ لأن وازع العقل يصرف صاحبه على أن يكذب لغير نفع يرجوه لِنفسه. والمعنى عموم نفي سؤالِه الأجرَ منهم من يوم بعث إلى وقت نزول هذه الآية، وهو قياس استقراء؛ لأنهم إذا استقرَوْا أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما مضى وجدوا انتفاء سؤاله أجراً أمراً عاماً بالاستقراء التام الحاصل من جميع أفراد المشركين في جميع مخالطاتهم إياه، فهو أمر متواتر بينهم فهذا إبطال لقولهم: {كذاب} [ص: 4] المحكي عنهم في أول السورة وإقامة الحجة على صدق رسالته كما سيجيئ...
التكلف: معالجة الكلفة، وهي ما يشقّ على المرء عمله والتزامه؛ لكونه يحرجه أو يشق عليه، ومادة التفعل تدل على معالجة ما ليس بسهل، فالمتكلف هو الذي يتطلب ما ليس له أو يدعي علم ما لا يعلمه.
فالمعنى هنا: ما أنا بمُدَّع النبوءة باطلاً من غير أن يوحى إليّ وهو رد لقولهم:
{كذاب} [ص: 4] وبذلك كان كالنتيجة لقوله: {ما أسألكم عليه من أجْرٍ}؛ لأن المتكلف شيئاً إنما يطلب من تكلُّفِه نفعاً، فالمعنى: وما أنا ممن يدعون ما ليس لهم وأخذ من قوله: {وما أنا من المتكلفين} أن ما جاء به من الدين لا تكلف فيه، أي لا مشقة في تكاليفه وهو معنى سماحة الإِسلام، وهذا استرواح مبني على أن من حكمة الله أن يجعل بين طبع الرسول صلى الله عليه وسلم وبين روح شريعته تناسباً؛ ليكون إقباله على تنفيذ شرعه بِشَرَاشِره؛ لأن ذلك أنفى للحرج عنه في القيام بتنفيذ ما أمر به، وتركيب {ما أنا من المتكلفين} أشدّ في نفي التكلّف من أن يقول: ما أنا بمتكلف.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.