التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَٰتِلُوٓاْ أَوۡلِيَآءَ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا} (76)

ثم ساق - سبحانه - لونا آخر من تحريضهم على الجهاد وهو تحديد الهدف يقاتل من أجله كل فريق فقال : { الذين آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله والذين كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطاغوت فقاتلوا أَوْلِيَاءَ الشيطان إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفاً } اى أنتم - أيها المؤمنون - إذا قاتلتم فإنما تقاتلون وغياتكم إعلاء كلمة الله ، ونصرة الحق الذى جاء به رسولكم محمد صلى الله عليه وسلم . أما أعداؤكم الكافرون فإنهم يقاتلون من أجل طاعة الشيطان الذى يأمرهم بكل بغى وطغيان ، وإذا كان هذا حالكم وحالهم فعليكم - أيها المؤمنون - أن تقاتلوا أولياء الشيطان بكل قوة وصدق عزيمة { إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفاً } أى . إن كيد الشيطان وتدبيره كان ضعيفا ، لأن الشيطان ينصر أولياءه ، والله - تعالى - ينصر أولياءه ، ولا شك أن نصرة الله - تعالى لأوليائه أقوى وأشد من نصرة الشيطان لأوليائه .

فقوله - تعالى - { الذين آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله } كلام مستأنف سيق لتشجيع المؤمنين وترغيبهم فى الجهاد ببيان الغاية والهدف الذى يعمل من أجله كل فريق ، وببيان أن المؤمنين ستكون عاقبتهم النصر والفظر لأن الله وليهم وناصرهم .

والفاء فى قوله { فقاتلوا } للتفريع ، أى إذا كانت تلك غايتكم أيها المؤمنون وتلك هى غاية أعدائكم ؛ فقاتلوهم بدون خوف أو وجل منهم لأن الله معكم بنصره وتأييده أماهم فالشيطان معهم بضعفه وفجوره .

والمراد بكيد الشيطان تدبيره ووسوسته لأتباعه بالاعتداء على المؤمنين وتأليب الناس عليهم .

قال الفخر الرازى : الكيد : السعى فى فساد الحال على جهة الاحتيال عليه ، يقال : كاده يكيده إذا سعى فى إيقاع الضرر على جهة الحيلة عليه . وفائدة إدخال { كَانَ } فى قوله { ضَعِيفاً } للتأكيد لضعف كيده ، يعنى أنه منذ كان ، كان موصوفا بالضعف والذلة .

وبذلك نرى أن هذه الآيات الثلاث قد شجعت المؤمنين على القتال بأبلغ أسلوب ، وأشرف دافع ، وأنبل غاية ، فقد أمرتهم بالقتال إذا كانوا حقا من المؤمنين ، الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ، وبشرتهم برضا الله وحسن ثوابه سواء أقتلوا أم غلبوا واستنكرت عليهم أن يتثاقلوا عن القتال مع أن كل دواعى الدين والشرف والمروءة تدعوهم إليه ، وبينت لهم أنه إذا كان الكافرون الذين الغاية من قتالهم نصرة الحق أن ينفروا خفاها وثقالا للجهاد فى سبيل الله ، ثم بشرتهم فى النهاية بأن العاقبة لهم ، لأن الكافرين يستندون إلى كيد الشيطان الضعيف الباطل ، أما المؤمنون فيأوون إلى جناب الله الذى لا يخذل من اعتصم به ، ولا يخيب من التجأ إليه .

وبعد هذا التحريض الشديد من الله - تعالى - للمؤمنين على القتال فى سبيله ، حكى - سبحانه - على سبيل التعجيب حال طائفة من ضعاف الإِيمان ، كانوا قبل أن يفرض القتال عليهم يظهرون التشوق إليه . وبعد أن فرض عليهم جبنوا عنه ، وقد وبخهم الله - تعالى -على هذا المسلك الذميم ، فقال - سبحانه - : { أَلَمْ تَرَ إِلَى . . . . عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَٰتِلُوٓاْ أَوۡلِيَآءَ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا} (76)

ثم قال تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ } أي : المؤمنون يقاتلون في طاعة الله ورضوانه ، والكافرون يقاتلون في طاعة الشيطان .

ثم هَيَّجَ تعالى المؤمنين على قتال أعدائه بقوله : { فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَٰتِلُوٓاْ أَوۡلِيَآءَ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا} (76)

معنى { في سبيل الله } لأجل دينه ولمرضاته ، فحرف ( في ) للتعليل ، ولأجل المستضعفين ، أي لنفعهم ودفع المشركين عنهم .

و ( المستضعفون ) الذين يعدّهم الناس ضعفاء ، ( فالسين والتاء للحسبان ، وأراد بهم من بقي من المؤمنين بمكة من الرجال الذين منعهم المشركون من الهجرة بمقتضى الصلح الذي انعقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين سفير قريش سهيل بن عمرو ؛ إذ كان من الشروط التي انعقد عليها الصلح : أنّ من جاء إلى مكة من المسلمين مرتداً عن الإسلام لا يردّ إلى المسلمين ، ومن جاء إلى المدينة فارّاً من مكة مؤمناً يردّ إلى مكة . ومن المستضعفين الوليد بن الوليد . وسلمة بن هشام . وعيّاش بن أبي ربيعة . وأمّا النساء فهنّ ذوات الأزواج أو ولايى الأولياء المشركين اللائي يمنعهنّ أزواجهنّ وأولياؤهنّ من الهجرة : مثل أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعَيط ، وأمّ الفضل لبابَة بنت الحارث زوج العباس ، فقد كنّ يؤذَيْن ويحقَّرْن . وأمّا الوِلدَانُ فهم الصغار من أولاد المؤمنين والمؤمنات ، فإنّهم كانوا يألَمون من مشاهدة تعذيب آبائهم وذويهم وإيذاء أمّهاتهم وحاضناتهم ، وعن ابن عباس أنّه قال : كنتُ أنا وأميّ من المستضعفين .

والقتال في سبيل هؤلاء ظاهر ، لإنقاذهم من فتنة المشركين ، وإنقاذ الولدان من أن يشبّوا على أحوال الكفر أو جهل الإيمان .

والقرية هي مكّة . وسألوا الخروج منها لِما كدّر قدسها من ظلم أهلها ، أي ظلم الشرك وظلم المؤمنين ، فكراهية المقام بها من جهة أنّها صارت يومئذٍ دار شرك ومناواة لدين الإسلام وأهلِه ، ومن أجل ذلك أحلّها الله لرسوله أن يقاتل أهلها ، وقد قال عباس بن مرداس يفتخر باقتحام خيل قومه في زمرة المسلمين يوم فتح مكة :

شَهِدْنَ مع النبيء مُسَوّمَاتٍ *** حُنَيْناً وهي دَامية الحَوامي

وَوقْعَةَ خَالدٍ شَهِدَتْ وحَكَّتْ *** سَنَابِكَها على البَلَدِ الحرام

وقد سألوا من الله وليّاً ونصيراً ، إذْ لم يكن لهم يومئذٍ وليّ ولا نصير فنصرهم الله بنبيئه والمؤمنين يوم الفتح .

وأشارت الآية إلى أنّ الله استجاب دعوتهم وهيّأ لهم النصر بيد المؤمنين فقال : { الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت } ، أي فجنّد الله لهم عاقبة النصر ، ولذلك فرّع عليه الأمر بقوله : { فقاتلوا أولياء الشيطان إنّ كيد الشيطان كان ضعيفاً } .

والطاغوت : الأصنام . وتقدّم تفسيره في قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبتِ والطاغوت } في هذه السورة [ النساء : 5 ] ، وقوله : { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } [ النساء : 60 ] .

والمراد بكيد الشيطان تدبيره . وهو ما يظهر على أنصاره من الكيد للمسلمين والتدبير لتأليب الناس عليهم ، وأكّد الجملة بمؤكّدين ( إنّ ) ( وكان ) الزائدة الدالة على تقرّر وصف الضعف لكيد الشيطان .