تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَٰتِلُوٓاْ أَوۡلِيَآءَ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا} (76)

المفردات :

الطاغوت : في الأصل كثير الطغيان ، ويطلق على رأس في الضلال ، وقيل : الشيطان

التفسير :

76- الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا .

لقد وضح الإسلام المنهج ورسم طريق العقيدة السليمة من الإيمان بالله ، وامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ؛ كما ربى القرآن المسلمين تربية إسلامية ، فرعى يقينهم ووجدانهم ، وضميرهم وقلبهم وعقلهم ، وقدم لهم غذاء العقيدة بالقصص والمشاهد ، وأخبار القيامة والبعث والجزاء ؛ فنشأ المؤمنون نشأ متكاملة ؛ كأنهم خلقوا من جديد بالعقيدة والإيمان والإسلام ، وحين بدأ القتال اكتسح الإسلام الأعداء ، بقوة لم يعرف لها التاريخ مثيلا .

فمعارك الإسلام في الجزيرة العربية : في بدر ، وأحد ، والخندق ، والحديبية ، وفتح مكة ، وغزوة حنين ، والطائف ، وغزوة تبوك ، كتب فيها النصر للقلة المؤمنة على الكثرة الكافرة .

وقل مثل ذلك في انتصار الإسلام على الفرس والروم ومصر ، بل لقد انتصر الإسلام بالفكرة والعقيدة في بلاد كثيرة ، وهناك انتصار آخر هو انتصار اللغة العربية بحيث صار العلماء في البلاد التي فتحها الإسلام يعتنقون الإسلام طوعا واختيارا ، ويدرسون بهذه اللغة ويقدمون للبشرية نتاج أفكارهم ، وما كان للغة العربية هذا المجد قبل الإسلام ، لكن القرآن والوحي ، والحديث النبوي ، والتراث الإسلامي ؛ كل هؤلاء أخصبوا اللغة العربية ؛ حتى سماها بعض الباحثين : اللغة الإسلامية .

الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ . . .

قال الزمخشري :

رغب الله المؤمنين ترغيبا وشجعهم تشجيعا ، بإخبارهم أنهم إنما يقاتلون في سبيل الله ؛ فهو وليهم وناصرهم ، وأعداؤهم يقاتلون في سبيل الشيطان ؛ فلا ولي لهم إلا الشيطان ، وكيد الشيطان للمؤمنين ، إلى جنب كيد الله للكافرين ، أضعف شيء وأوهنه {[18]} .

وتبقى الآية على جلالها ترسم حقيقة واقعية .

الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ . تحت راية الله فهم جند يقاتلون من أجل منهج الله ودين الله .

وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ . أي : في سبيل الطغيان والاستعلاء ، وشتان بين من يقاتل في سبيل الحق والعدل والمبادئ والمثل العليا ، ومن يقاتل عدوانا وظلما ، وتمكينا للطغاة الجبارين ، وفي آخر الآية دعوة إلى جهاد الشيطان والانتصار عليه وعلى أتباعه .

جاء في تفسير القرطبي :

الطاغوت . يذكر ويؤنث ، والطاغوت هو الشيطان والدليل على ذلك قوله تعالى :

فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا . أي : مكره ومكر من اتبعه ، ويقال : أراد به يوم بدر حين قال للمشركين : لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ . ( الأنفال : 48 ) .


[18]:تفسير الكشاف 1/281.