البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَٰتِلُوٓاْ أَوۡلِيَآءَ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا} (76)

{ الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً } لما أمر تعالى المؤمنين أولاً بالنفر إلى الجهاد ، ثم ثانياً بقوله : { فليقاتل في سبيل الله } ثم ثالثاً على طريق الحث والحض بقوله : { وما لكم لا تقاتلون } أخبر في هذه الآية بالتقسيم أن المؤمن هو الذي يقاتل في سبيل الله ، وأن الكافر هو الذي يقاتل في سبيل الطاغوت ، ليبين للمؤمنين فرق ما بينهم وبين الكفار ، ويقويهم بذلك ويشجعهم ويحرضهم .

وإنّ مَن قاتل في سبيل الله هو الذي يغلب ، لأن الله هو وليه وناصره .

ومن قاتل في سبيل الله الطاغوت فهو المخذول المغلوب .

والطاغوت هنا الشيطان لقوله : فقاتلوا أولياء الشيطان .

وهنا محذوف ، التقدير : فقاتلوا أولياء الشيطان فإنكم تغلبونهم لقوتكم بالله ، ثم علل هذا المحذوف وهو غلبتكم إياهم بأنّ كيد الشيطان ضعيف ، فلا يقاوم نصر الله وتأييده ، وشتان بين عزم يرجع إلى إيمان بالله وبما وعد على الجهاد ، وعزم يرجع إلى غرور وأماني كاذبة .

ودخلت كان في قوله : كان ضعيفاً إشعاراً بأنّ هذا الوصف سابق لكيد الشيطان ، وأنه لم يزل ضعيفاً .

وقيل : هي بمعنى صار أي : صار ضعيفاً بالإسلام .

وقول من زعم : أنها زائدة ، ليس بشيء .

وقال الحسن : أخبرهم أنهم سيظهرون عليهم ، فلذلك كان ضعيفاً .

/خ79