التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ قُرۡءَانٗا سُيِّرَتۡ بِهِ ٱلۡجِبَالُ أَوۡ قُطِّعَتۡ بِهِ ٱلۡأَرۡضُ أَوۡ كُلِّمَ بِهِ ٱلۡمَوۡتَىٰۗ بَل لِّلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ جَمِيعًاۗ أَفَلَمۡ يَاْيۡـَٔسِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۗ وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوۡ تَحُلُّ قَرِيبٗا مِّن دَارِهِمۡ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ وَعۡدُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ} (31)

ثم أشار - سبحانه - إلى عظمة هذا القرآن الذي أوحاه إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجبال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الموتى . . . } .

والمراد بالقرآن هنا : معناه اللغوى ، أى الكلام المقروء .

وجواب لو محذوف لدلالة المقام عليه .

والمعنى : ولو أن كتابا مقروءا من الكتب السماوية ، { سُيِّرَتْ بِهِ الجبال } أى : تحركت من أماكنها ، { أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرض } أى شققت وصارت قطعا ، { أَوْ كُلِّمَ بِهِ الموتى } بأن يعودوا إلى الحياة بعد قراءته عليهم .

ولو أن كتابا مقروءا كان من وظيفته أن يفعل ذلك لكان هذا القرآن ، لكونه الغاية القصوى في الهداية والتذكير ، والنهاية العظمى في الترغيب والترهيب .

وعلى هذا المعنى يكون الغرض من الآية الكريمة بيان عظم شأن القرآن الكريم ، وإبطال رأى الكافرين الذين طلبوا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - آية كونية سواه .

ويصح أن يكون المعنى : ولو أن كتابا مقروءا من الكتب السماوية نزل عليك يا محمد فسيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ، لما آمن هؤلاء المعاندون .

قال - تعالى - : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ الملائكة وَكَلَّمَهُمُ الموتى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ ليؤمنوا إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله . . . } وعلى هذا المعنى يكون المقصود من الآية الكريمة ، بيان غلوهم في العناد والطغيان ، وتماديهم في الكفر والضلال ، وأن سبب عدم إيمانهم ليس مرده إلى عدم ظهور الدلائل الدالة على صدقه - صلى الله عليه وسلم - وإنما سببه الحسد والعناد والمكابرة .

ووجه تخصيص هذه الأشياء الثلاثة من بين الخوارق التي طلبوها منه - صلى الله عليه وسلم - ما ذكره الإِمام ابن كثير من أن المشركين قالوا للنبى - صلى الله عليه وسلم - : يا محمد ، لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها ، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح ، أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيى الموتى لقومه ، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية .

وقوله - سبحانه - { بَل للَّهِ الأمر جَمِيعاً } إضراب عن مطالبهم المتعنتة إلى بيان أن الأمور كلها بيد الله ، وأن قدرته - سبحانه - لا يعجزها شئ .

أى : إن الله - تعالى - لا يعجزه أن يأتى بالمقترحات التي اقترحوها ، ولكن إرادته - سبحانه - لم تتعلق بما اقترحوه ، لعلمه - سبحانه - بعتوهم ونفورهم عن الحق مهما أوتوا من آيات .

وقوله - سبحانه - : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الذين آمنوا أَن لَّوْ يَشَآءُ الله لَهَدَى الناس جَمِيعاً } تيئيس للمؤمنين من استجابة أولئك الجاحدين للحق ، إلا أن شاء الله لهم الهداية ، والاستفهام للإِنكار ، وأصل اليأسك قطع الطمع في الشئ والقنوط من حصوله .

وللعلماء في تفسير هذه الجملة الكريمة اتجاهان :

أحدهما يرى أصحابه أن الفعل ييأس على معناه الحقيقى وهو قطع الطمع في الشئ ، وعليه يكون المعنى : أفلم ييأس على معناه الحقيقى وهو قطع في الشئ ، وعليه يكون المعنى : أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان كفار قريش ، ويعلموا أن الله - تعالى - لو يشاء هداية الناس جميعا لاهتدوا ، ولكنه لم يشأ ذلك ، ليتميزا الخبيث من الطيب .

وعلى هذا الاتجاه سار الإِمام ابن كثير فقد قال - رحمه الله - : وقوله - تعالى { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الذين آمنوا } أى : من إيمان جميع الخلق ويعلموا أن يتبينوا { أَن لَّوْ يَشَآءُ الله لَهَدَى الناس جَمِيعاً } فإنه ليس هناك حجة ولا معجزة أبلغ ولا أنجع في النفوس والعقول من هذا القرآن ، الذي لو أنزله الله على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله .

وثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما من نبى إلا وقد أوتى ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلى ، فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " .

ويؤيد هذا الاتجاه ما ذكره السيوطى في تفسيره من أن بعض الصحابة قالوا للرسول - صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ، اطلب لهم - أى للمشركين ، ما اقترحوه عسى أن يؤمنوا .

أما الاتجاه فيرى أصحابه أن الفعل ييأس بمعنى يعلم ، وعليه يكون المعنى : أفلم يعلم المؤمنون أنه - سبحانه - لو شاء هداية الناس جميعا لآمنوا .

وهذا الاتجاه صدر به الآلوسى تفسيره فقال ما ملخصه :

ومعنى قوله - سبحانه - : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الذين آمنوا } أفلم يعلموا ، وهى كما قال القاسم بن معن لغة هوازن ، وقال الكلبى هي لغة حى من النخع ، وأنشدوا على ذلك قول سيحم بن وئيل الرباحى :

أقول لهم بالشعب إذ يأسروننى . . . ألم ييأسوا أنى ابن فارس زهدم

وقول رباح بن عدى :

ألم ييأس الأقوام أنى أنا ابنه . . . وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا

والظاهر أن استعمال اليأس في ذلك حقيقه .

وقيل مجاز لأنه متضمن للعلم فإن الآيس عن الشئ عالم بأنه لا يكون . .

والفاء للعطف على مقدر . أى : أغفلوا عن كون الأمر جميعه لله - تعالى - فلم يعلموا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا . .

ثم حذر - سبحانه - الكافرين من التمادى في كفرهم ، وبشر المؤمنين بحسن العاقبة فقال - تعالى - : { وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حتى يَأْتِيَ وَعْدُ الله إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد } .

والقارعة : من القرع ، وهو ضرب الئ بشئ آخر بقوة وجمعها قوارع .

والمراد بها : الرزية والمصيبة والكارثة .

أى : ولا يزال الذين كفروا من أهل مكة وغيرهم تصيبهم بسبب ما صنعوه من الكفر والضلال " قارعة " أى مصيبة تفجؤهم وتزعجهم أو تحل تلك المصيبة في مكان قريب من دارهم ، فيتطاير شرها إليهم ، حتى يأتى وعد الله بهلاكهم وهزيمتهم ونصر المؤمنين عليهم ، إن الله - تعالى - لا يخلف الميعاد ، أى : موعوده لرسله ولعباده المؤمنين .

وأبهم - سبحانه - ما يصيب الكافرين من قوارع ، لتهويله وبيان شدته .

والتعبير بقوله : { ولا يزال } يشير إلى أن ما أصابهم من قوارع كان موجودا قبل نزول هذه الآية ، واستمرت إصابته لهم بعد نزولها ، لأن الفعل { لا يزال } يدل علىا لإخبار باستمرار شئ واقع .

ولعل هذه الآية الكريمة كان نزولها في خلال سنى الجدب التي حلت بقريش والتى أشار إليها القرآن بقوله : { فارتقب يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ . يَغْشَى الناس هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ . . . } وعبر - سبحانه - عما أصابهم من بلاء بالقارعة ، للمبالغة في شدته وقوته ، حتى إنه ليقرع قلوبهم فجأة فيبتهتهم ويزعجهم ، ولذلك سميت القيامة بالقارعة ، لأنها تقرع القلوب بأهوالها .

وقال - سبحانه - : { أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ } لبيان أنهم بين أمرين أحلاهما مُرّ لأن القارعة إما أن تصيبهم بما يكرهونه ويتألمون له ، وإما أن تنزل قريبا منهم فتفزعهم ، وتقلق أمنهم ، وهم مستمرون على ذلك حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا .

ولقد قضى الله - تعالى - أمره ، بهزيمتهم في بدر وفى غيرهم ، وأتم نصره على المؤمنين بفتح مكة . وبدخول الناس في دين الله أفواجا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ قُرۡءَانٗا سُيِّرَتۡ بِهِ ٱلۡجِبَالُ أَوۡ قُطِّعَتۡ بِهِ ٱلۡأَرۡضُ أَوۡ كُلِّمَ بِهِ ٱلۡمَوۡتَىٰۗ بَل لِّلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ جَمِيعًاۗ أَفَلَمۡ يَاْيۡـَٔسِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۗ وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوۡ تَحُلُّ قَرِيبٗا مِّن دَارِهِمۡ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ وَعۡدُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ} (31)

يقول تعالى مادحا للقرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ، ومفضلا له على سائر الكتب المنزلة قبله : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ } أي : لو كان في الكتب الماضية كتاب تسير به الجبال عن أماكنها ، أو تقطع به الأرض وتنشق{[15641]} أو تكلم{[15642]} به الموتى في قبورها ، لكان هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره ، أو بطريق الأولى أن يكون كذلك ؛ لما فيه من الإعجاز الذي لا يستطيع الإنس والجن عن آخرهم إذا اجتمعوا أن يأتوا بمثله ، ولا بسورة من مثله ، ومع هذا فهؤلاء المشركون كافرون به ، جاحدون له ، { بَلْ لِلَّهِ الأمْرُ جَمِيعًا } {[15643]} أي : مرجع الأمور كلها إلى الله ، عز وجل ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ومن يضلل فلا هادي له ، ومن يهد{[15644]} الله فلا مضل له .

وقد يطلق اسم القرآن على كل من الكتب المتقدمة ؛ لأنه مشتق من الجميع ، قال الإمام أحمد :

حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا مَعْمَر ، عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خُفِّفَت{[15645]} على داود القراءة ، فكان يأمر بدابته أن تسرج ، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تُسرج دابته ، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه " . انفرد بإخراجه البخاري{[15646]} . والمراد بالقرآن هنا الزبور .

وقوله : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا } أي : من إيمان جميع الخلق ويعلموا أو يتبينوا{[15647]} { أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا } فإنه ليس ثم{[15648]} حجة ولا معجزة أبلغ ولا أنجع في النفوس والعقول من هذا القرآن ، الذي لو أنزله الله على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله . وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من نبي إلا وقد أوتي ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " {[15649]} معناه : أن معجزة كل نبي انقرضت بموته ، وهذا القرآن حجة باقية على الآباد ، لا تنقضي عجائبه ، ولا يَخْلَقُ عن كثرة الردّ ، ولا يشبع منه العلماء ، هو الفصل ليس بالهزل . من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا منجاب بن الحارث ، أنبأنا بشر بن عمارة ، حدثنا عمر بن حسان ، عن عطية العوفي قال : قلت له : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ } الآية ، قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم : لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها ، أو قطعت لنا{[15650]} الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح ، أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيي الموتى لقومه فأنزل الله هذه الآية . قال : قلت : هل تروون هذا الحديث عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم{[15651]} . وكذا روي عن ابن عباس ، والشعبي ، وقتادة ، والثوري ، وغير واحد في سبب نزول هذه الآية ، فالله أعلم .

وقال قتادة : لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم ، فُعل بقرآنكم .

وقوله : { بَلْ لِلَّهِ الأمْرُ جَمِيعًا } قال ابن عباس : [ أي ]{[15652]} لا يصنع من ذلك إلا ما يشاء ، ولم يكن ليفعل ، رواه ابن إسحاق بسنده عنه ، وقاله ابن جرير أيضًا .

وقال غير واحد من السلف في قوله : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا } أفلم يعلم الذين آمنوا . وقرأ{[15653]} آخرون : " أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا " .

وقال أبو العالية : قد يئس{[15654]} الذين آمنوا أن يهدوا ، ولو يشاء الله لهدى الناس جميعا .

وقوله : { وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ } أي : بسبب تكذيبهم ، لا تزال القوارع تصيبهم في الدنيا ، أو تصيب من حولهم ليتعظوا ويعتبروا ، كما قال تعالى : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الأحقاف : 27 ] وقال { أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ } [ الأنبياء : 44 ] . {[15655]} قال قتادة ، عن الحسن : { أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ } أي : القارعة . وهذا هو الظاهر من السياق .

قال أبو داود الطيالسي : حدثنا المسعودي ، عن قتادة ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس في قوله : { وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ } {[15656]} قال : سرية ، { أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ } قال : محمد صلى الله عليه وسلم ، { حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ } قال : فتح مكة . {[15657]} وهكذا قال عِكْرِمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، في رواية .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : { تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ } {[15658]} قال : عذاب من السماء ينزل عليهم { أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ } {[15659]} يعني : نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وقتاله إياهم .

وكذا قال مجاهد ، وقتادة ، وقال عِكْرِمة في رواية عنه ، عن ابن عباس : { قَارِعَةٌ } أي : نكبة .

وكلهم قال : { حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ } يعني : فتح مكة . وقال الحسن البصري : يوم القيامة .

وقوله : { إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ } أي : لا ينقض وعده لرسله بالنصرة لهم ولأتباعهم في الدنيا والآخرة ، { فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } [ إبراهيم : 47 ] .


[15641]:- في أ : "وتشقق".
[15642]:- في ت : "وتشقق وتكلم".
[15643]:- في ت ، أ : "فلله" وهو خطأ.
[15644]:- في ت ، أ : "يهده".
[15645]:- في ت ، أ : "خفف".
[15646]:- المسند (2/314) وصحيح البخاري برقم (3417).
[15647]:- في أ : "ويعلموا ويتيقنوا".
[15648]:- في أ : "ثمت".
[15649]:- صحيح البخاري برقم (4981) وصحيح مسلم برقم (152) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[15650]:- في ت ، أ : "بنا".
[15651]:- ورواه ابن مردويه في تفسيره كما في تخريج الكشاف (2/191) من طريق بشر بن عمارة به ، وإسناده ضعيف جدا.
[15652]:- زيادة من أ.
[15653]:- في ت : "وقرأها".
[15654]:- في ت ، أ : "أيس".
[15655]:- في ت ، أ : "أفلم يروا" وهو خطأ.
[15656]:- في ت : "يصيبهم".
[15657]:- ومن طريق الطيالسي رواه الطبري في تفسيره (16/456).
[15658]:- في ت : "يصيبهم".
[15659]:- في ت : "أو يحل".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ قُرۡءَانٗا سُيِّرَتۡ بِهِ ٱلۡجِبَالُ أَوۡ قُطِّعَتۡ بِهِ ٱلۡأَرۡضُ أَوۡ كُلِّمَ بِهِ ٱلۡمَوۡتَىٰۗ بَل لِّلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ جَمِيعًاۗ أَفَلَمۡ يَاْيۡـَٔسِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۗ وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوۡ تَحُلُّ قَرِيبٗا مِّن دَارِهِمۡ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ وَعۡدُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ} (31)

{ ولو أن قرآنا سُيّرت به الجبال } شرط حذف جوابه والمراد منه تعظيم شأن القرآن ، أو المبالغة في عناد الكفرة وتصميمهم أي : ولو أن كتابا زعزعت به الجبال عن مقارها . { أو قطّعت به الأرض } تصدعت من خشية الله عند قراءته أو شققت فجعلت أنهارا وعيونا . { أو كُلّم به الموتى } فتسمع فتقرؤه ، أو فتسمع وتجيب عند قراءته لكان هذا القرآن لأنه الغاية في الإعجاز والنهاية في التذكير والإنذار ، أو لما آمنوا به كقوله : { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة } الآية . وقيل إن قريشا قالوا يا محمد إن سرك أن نتبعك فسير بقرآنك الجبال عن مكة حتى تتسع لنا فنتخذ فيها بساتين وقطائع ، أو سخر لنا به الريح لنركبها ونتجر إلى الشام ، أو ابعث لنا به قصي بن كلاب وغيره من آبائنا ليكلمونا فيك ، فنزلت . وعلى هذا فتقطيع الأرض قطعها بالسير . وقيل الجواب مقدم وهو قوله : { وهم يكفرون بالرحمان } وما بينهما اعتراض وتذكير { كلم } خاصة لاشتمال الموتى على المذكر الحقيقي . { بل لله الأمر جميعا } بل لله القدرة على كل شيء وهو إضراب عما تضمنته { لو } من معنى النفي أي : بل الله قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات إلا أن إرادته لم تتعلق بذلك ، لعلمه بأنه لا تلين له شكيمتهم ويؤيد ذلك قوله : { أفلم يأس الذين آمنوا } عن أيمانهم مع ما رأوا من أحوالهم ، وذهب أكثرهم إلى أن معناه أفلم يعلم لما روي أن علي وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين قرؤوا " أفلم يتبين " وهو تفسير وإنما استعمل اليأس بمعنى العلم لأنه مسبب عن العلم ، فإن الميئوس عنه لا يكون إلا معلوما ولذلك علقه بقوله : { أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا } فإن معناه نفى هدى بعض الناس لعدم تعلق المشيئة باهتدائهم ، وهو على الأول متعلق بمحذوف تقديره أفلم يأس الذين آمنوا عن إيمانهم علما منهم أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا أو { بآمنوا } . { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا } من الكفر وسوء الأعمال . { فارعة } ذاهبة تقرعهم وتقلقهم . { أو تحل قريبا من دارهم } فيفزعون منها ويتطاير إليهم شررها . وقيل الآية في كفار مكة فإنهم لا يزالوا مصابين بما صنعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه عليه الصلاة والسلام كان لا زال يبعث السرايا عليهم فتغير حواليهم وتختطف مواشيهم ، وعلى هذا يجوز أن يكون تحل خطابا للرسول عليه الصلاة والسلام فإنه حل بجيشه قريبا من دارهم عام الحديبية . { حتى يأتي وعد الله } الموت أو القيامة أو فتح مكة . { إن الله لا يُخلف الميعاد } لامتناع الكذب في كلامه .