الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَلَوۡ أَنَّ قُرۡءَانٗا سُيِّرَتۡ بِهِ ٱلۡجِبَالُ أَوۡ قُطِّعَتۡ بِهِ ٱلۡأَرۡضُ أَوۡ كُلِّمَ بِهِ ٱلۡمَوۡتَىٰۗ بَل لِّلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ جَمِيعًاۗ أَفَلَمۡ يَاْيۡـَٔسِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۗ وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوۡ تَحُلُّ قَرِيبٗا مِّن دَارِهِمۡ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ وَعۡدُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ} (31)

أخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن كان كما تقول ، فأرنا أشياخنا الذين من الموتى نكلمهم ، وأفسح لنا هذه الجبال - جبال مكة - التي قد ضمتنا . فنزلت { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى } .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه ، عن عطية العوفي - رضي الله عنه - قال : قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم " لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها ، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان عليه السلام يقطع لقومه بالريح ، أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى عليه السلام يحيي الموتى لقومه . فأنزل الله تعالى { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال . . . } الآية ، إلى قوله { أفلم ييأس الذين آمنوا } قال : أفلم يتبين الذين آمنوا ؟ " قالوا : هل تروي هذا الحديث عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق العوفي ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال المشركون من قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو وسعت لنا أودية مكة وسيرت جبالها فاحترثناها ، وأحييت من مات منا واقطع به الأرض ، أو كلم به الموتى . . . فأنزل الله تعالى { ولو أن قرآنا } .

وأخرج أبو يعلى وأبو نعيم في الدلائل ، وابن مردويه عن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - قال : لما نزلت ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ( سورة الشعراء ، آية 214 ) صاح رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي قبيس : " يا آل عبد مناف ، إني نذير فجاءته قريش ، فحذرهم وأنذرهم . فقالوا : تزعم أنك نبي يوحى إليك ، وإن سليمان عليه السلام سخرت له الريح والجبال ، وإن موسى عليه السلام سخر له البحر ، وإن عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى ، فادع الله أن يسير عنا هذه الجبال ، ويفجر لنا الأرض أنهارا فنتخذها محارث ، فنزرع ونأكل وإلا ، فادع الله أن يحيي لنا الموتى فنكلمهم ويكلمونا وإلا ، فادع الله أن يجعل هذه الصخرة التي تحتك ذهبا فننحت منها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف ، فإنك تزعم أنك كهيئتهم . فبينا نحن حوله ، إذ نزل عليه الوحي ، فلما سري عنه الوحي قال : والذي نفسي بيده لقد أعطاني الله ما سألتم ، ولو شئت لكان ، ولكنه خيرني بين أن تدخلوا باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم ، وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم فتضلوا عن باب الرحمة ولا يؤمن مؤمنكم ، فاخترت باب الرحمة ويؤمن مؤمنكم ، وأخبرني إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم يعذبكم عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين " . فنزلت ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا إن كذب بها الأولون ) ( سورة الإسراء ، آية 59 ) حتى قرأ ثلاث آيات . ونزلت { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال . . . } الآية .

وأخرج أبو الشيخ عن قتادة أن هذه الآية { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى } مكية .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال } الآية قال : قول كفار قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : سير جبالنا تتسع لنا أرضنا فإنها ضيقة ، أو قرب لنا الشام فإنا نتجر إليها ، أو أخرج لنا آباءنا من القبور نكلمهم .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قالوا : سير بالقرآن الجبال ، قطع بالقرآن الأرض ، أخرج به موتانا .

وأخرج ابن جرير عن الضحاك - رضي الله عنه - قال : قال كفار مكة لمحمد صلى الله عليه وسلم : سير لنا الجبال كما سخرت لداود ، وقطع لنا الأرض كما قطعت لسليمان عليه السلام فاغد بها شهرا ورح بها شهرا ، أو كلم لنا الموتى كما كان عيسى عليه السلام يكلمهم . يقول : لم أنزل بهذا كتابا ، ولكن ، كان شيئا أعطيته أنبيائي ورسلي " .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الشعبي - رضي الله عنه - قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت نبيا كما تزعم ، فباعد عن مكة أخشبيها هذين مسيرة أربعة أيام ، أو خمسة أيام ، فإنها ضيقة حتى نزرع فيها أو نرعى ، وابعث لنا آبائنا من الموتى حتى يكلمونا ويخبرونا أنك نبي ، أو احملنا إلى الشام أو إلى اليمن أو إلى الحيرة ، حتى نذهب ونجيء في ليلة كما زعمت أنك فعلته . فأنزل الله تعالى { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال } الآية .

وأخرج إسحق وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { بل لله الأمر جميعا } لا يصنع من ذلك إلا ما يشاء ، ولم يكن ليفعل .

وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه كان يقرأ { أفلم ييأس الذين آمنوا } .

وأخرج ابن جرير وابن الأنباري في المصاحف ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قرأ [ أفلم يتبين الذين آمنوا ] فقيل له : إنها في المصحف { أفلم ييأس } فقال : أظن الكاتب كتبها وهو ناعس .

وأخرج ابن جرير عن علي - رضي الله عنه - أنه كان يقرأ[ أفلم يتبين الذين آمنوا ] .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - { أفلم ييأس } يقول : يعلم .

وأخرج الطستي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { أفلم ييأس الذين آمنوا } قال : أفلم يعلم ، بلغة بني مالك . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم . أما سمعت مالك بن عوف يقول :

لقد يئس الأقوام أني أنا ابنه *** وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا

وأخرج ابن الأنباري ، عن أبي صالح - رضي الله عنه - قال : في قوله { أفلم ييأس الذين آمنوا } قال : أفلم يعلم ، بلغة هوازن . وأنشد قول مالك بن عوف النضري :

أقول لهم بالشعب إذا ييئسونني *** ألم تعلم أني ابن فارس زهدم ؟ !

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - { أفلم ييأس الذين آمنوا } قال : أفلم يعلم الذين آمنوا ؟

وأخرج أبو الشيخ عن قتادة - رضي الله عنه - { أفلم ييأس الذين آمنوا } قال : ألم يعرف الذين آمنوا .

وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد - رضي الله عنه - { أفلم ييأس } قال : أفلم يعلم . ومن الناس من يقرؤها ( أفلم يتبين ) وإنما هو كالاستنقاء ، أفلم يعقلوا ليعلموا أن الله يفعل ذلك ؟ لم ييأسوا من ذلك وهم يعلمون أن الله تعالى لو شاء فعل ذلك .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن أبي العالية - رضي الله عنه - { أفلم ييأس الذين آمنوا } قال : قد يئس الذين آمنوا أن يهدوا ، ولو شاء الله { لهدى الناس جميعا } .

وأخرج الفريابي وابن جرير وابن مردويه من طريق عكرمة - رضي الله عنه - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { تصيبهم بما صنعوا قارعة } قال : السرايا .

وأخرج الطيالسي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، من طريق سعيد بن جبير - رضي الله عنه - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة } قال : سرية { أو تحل قريبا من دارهم } قال : أنت يا محمد { حتى يأتي وعد الله } قال فتح مكة .

وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد - رضي الله عنه - في قوله { تصيبهم بما صنعوا قارعة } قال : سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم { أو تحل } يا محمد { قريبا من دارهم } .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل ، عن مجاهد - رضي الله عنه - قال : { القارعة } السرايا { أو تحل قريبا من دارهم } قال : الحديبية { حتى يأتي وعد الله } قال : فتح مكة .

وأخرج ابن جرير عن عكرمة - رضي الله عنه - في قوله { ولا يزال الذين كفروا . . . } الآية . قال : نزلت بالمدينة في سرايا النبي صلى الله عليه وسلم . { أو تحل } أنت يا محمد { قريبا من دارهم } .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { تصيبهم بما صنعوا قارعة } قال : نكبة .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق العوفي ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { تصيبهم بما صنعوا قارعة } قال : عذاب من السماء { أو تحل قريبا من دارهم } يعني ، نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وقتاله إياهم .

وأخرج ابن جرير عن الحسن - رضي الله عنه - في قوله { أو تحل قريبا من دارهم } قال : أو تحل القارعة قريبا من دارهم { حتى يأتي وعد الله } قال : يوم القيامة .