جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَلَوۡ أَنَّ قُرۡءَانٗا سُيِّرَتۡ بِهِ ٱلۡجِبَالُ أَوۡ قُطِّعَتۡ بِهِ ٱلۡأَرۡضُ أَوۡ كُلِّمَ بِهِ ٱلۡمَوۡتَىٰۗ بَل لِّلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ جَمِيعًاۗ أَفَلَمۡ يَاْيۡـَٔسِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۗ وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوۡ تَحُلُّ قَرِيبٗا مِّن دَارِهِمۡ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ وَعۡدُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ} (31)

{ وَلَوْ أَنّ{[2522]} قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ } عن مقارها وزعزعت عن مضاجعها ، { أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ } : حتى تتصدع وتزايل قطعا شققت فجعلت أنهارا وعيونا ، { أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى } ، فتسمع وتجيب وجواب لو محذوف ، أي : لكان هذا القرآن ومع هذا هؤلاء المشركون كافرون به ، وقال بعضهم : تقديره لما آمنوا به ، فقد نقل في سبب{[2523]} نزوله أنهم قالوا : يا محمد لو سيرت لنا جبال مكة حتى يتسع أو قطعت بنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح ، أو أحييت لنا الموتى كما كان لعيسى ، وقيل : جواب لو ما يدل عليه وهم يكفرون بالرحمن ، وقوله قل هو ربي بينهما اعتراض ، { بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا{[2524]} } هو إضراب عن معنى النفي الذي تضمنه لو أي : بل الله القدرة على كل شيء ، لو يشاء إيمانهم لآمنوا به وإذا لم يشاء لا ينفعهم إتيان ما اقترحوا من الآيات ، { أَفَلَمْ يَيْأَسِ{[2525]} الَّذِينَ آمَنُوا } : عن إيمانهم ولم ينقطع رجاؤهم عنه مع ما عاينوا من لجاجهم ، { أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ } متعلق بمحذوف ، أي : علما منهم أن لو يشاء الله تعالى ، { لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا } وقيل : متعلق{[2526]} بآمنوا ، وفسر أكثر السلف أفلم ييأس بأفلم يعلم ، فقيل : هو بمعنى العلم في لغة النخع ، أو هوازن ، وقيل فسروه به ؛ لأن اليائس عن الشيء عالم بأنه لا يكون وقرأ جماعة من الصحابة والتابعين أفلم يتبين الذين آمنوا ، قيل : نزلت حين أراد المسلمون أن تظهر آية مما اقترحوا ، ليجتمعوا على الإيمان ، { وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ } : من خبائث أعمالهم ، { قَارِعَةٌ } : داهية تفزعهم وتقتلهم ، { أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ } أو تصيب القارعة من حولهم ، كما قال تعالى : " ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى " الآية ( الأحقاف :27 ) ، { حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ } : الموت أو القيامة وعن بعض السلف ، أن المراد من الذين كفروا أهل مكة ومن القارعة السرية التي يبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ، أو عذاب من السماء ينزل إليهم ، أو تحل أنت يا محمد بنفسك قريبا{[2527]} من دراهم وتقاتلهم حتى يأتي وعد الله تعالى أي : فتح مكة ، { إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ } .


[2522]:ولما ذكر علة إرساله وهو تلاوته، عظم هذا الوحي فقال: "ولو أن قرآنا" الآية/ 12 وجيز.
[2523]:نقل ابن أبي حاتم عن أبي سعيد و كذا روي عن ابن عباس والشعبي وقتادة والثوري وغيرهم/12 منه. [وهو ضعيف].
[2524]:وهذا نحو "ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة و كلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله" (الأنعام:111)/12 منه.
[2525]:أي: ألم ييئسهم العلم بأن الله لو شاء لهدى الناس جميعا عن إيمانهم، فيقترحون آيات تكون سببا لإيمانهم/12.
[2526]:أي: لم يقنط الذين آمنا بأن لو يشاء الله لهدى الناس من إيمان هؤلاء الكفرة فعلى هذا مفعول ييأس كالأول محذوف /12 منه.
[2527]:ليتعظوا ويعتبروا /12 منه.