غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَوۡ أَنَّ قُرۡءَانٗا سُيِّرَتۡ بِهِ ٱلۡجِبَالُ أَوۡ قُطِّعَتۡ بِهِ ٱلۡأَرۡضُ أَوۡ كُلِّمَ بِهِ ٱلۡمَوۡتَىٰۗ بَل لِّلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ جَمِيعًاۗ أَفَلَمۡ يَاْيۡـَٔسِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۗ وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوۡ تَحُلُّ قَرِيبٗا مِّن دَارِهِمۡ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ وَعۡدُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ} (31)

30

{ ولو أن قرآناً سيرت به الجبال } عن مقارها وأزيلت عن مراكزها { أو قطعت به الأرض } أي وقع به السير في البلاد فوق المعتاد شبه طي الأرض أو شققت فجعلت أنهاراً وعيوناً { أو كلم به الموتى } بعد إحيائهم به لكن هذا القرآن . قال الراوي : لما سري عن رسول الله عليه وسلم بعد نزول هذا الوحي قال : والذي نفسي بيده لقد أعطاني ما سألتم ولو شئت لكان ولكنه خيرني بين أن تدخلوا باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم ثم إن كفرتم يعذبكم عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين فاخترت باب الرحمة . وقال الزجاج : معناه ولو أن قرآناً وقع به تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى أي تنبيههم لما آمنوا به كقوله : { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة } [ الأنعام : 111 ] الآية . وقال في الكشاف : هذه الآية لبيان تعظيم شأن القرآن . ومعنى تقطيع الأرض تصدعها كقوله { ولو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً } [ الحشر : 21 ] ونقل في الكشاف عن الفراء أن الآية تتعلق بما قبلها والمعنى وهم يكفرون بالرحمن . وبمدلول هذا الكلام وهو قوله : { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال } وما بينهما اعتراض . ثم قال رداً عليهم { بل لله الأمر جميعاً } قال أهل السنة : يعني إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ولا اعتراض لأحد عليه .

وقالت المعتزلة : له القدرة على الآيات التي اقترحتموها إلا أن علمه بأن إظهار مفسدة يصرفه ، أوله أن يلجئهم إلى الإيمان إلا أنه بنى أمر التكليف على الاختيار . قالوا : ويعضده قوله : { أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله } مشيئة الإلجاء { لهدى الناس جميعاً } أو لو يشاء لهداهم إلى الجنة ، أو المراد نفي العموم لا عموم النفي وذلك أنه ما شاء هداية الأطفال والمجانين . أجاب أهل السنة بأن كل هذا خلاف الظاهر .

ومعنى { أفلم ييأس } أفلم يعلم . وهذا لغة قوم من النخع . وقال الزجاج : إنه مجاز لأن اليائس عن الشيء عالم بأنه لا يكون نظيره استعمال الرجاء في معنى الخوف ، والنسيان في معنى الترك لتضمنهما إياهما ، ويؤيده قراءة علي عليه السلام وابن عباس وجماعة { أفلم يتبين } وهو تفسير { أفلم ييأس } . وقيل : إن قراءتهم أصل والمشهورة تصحيف وقع من جهة أن الكاتب كتبه مستوي السينات . وهذا القول سخيف جداً والظن بأولئك الثقات الحفظة غير ذلك ولهذا قال في الكشاف : هذه والله فرية ما فيها مرية . وجوز أن يتعلق { أن لو يشاء } ب { آمنوا } معناه أفلم يقنط من إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً . ثم أوعد الكافرين بقوله : { ولا يزال الذين كفروا } يعني عامة الكفار { تصيبهم بما صنعوا } من كفرهم وسوء أعمالهم { قارعة } داهية تقرعهم من السبي والقتل { أو تحل } القارعة { قريباً من دارهم } فيتطاير إليهم شررها . { حتى يأتي وعد الله } وهو إسلامهم أو موتهم أو القيامة . وقيل : خاصة في أهل مكة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يبعث السرايا حول مكة فتغير عليهم وتختطف منهم ، وعلى هذا احتمل أن يكون قوله : { أو تحل } خطاباً أي تحل أنت يا محمد قريباً من دارهم بجيشك كما في يوم الحديبية حتى يأتي وعد الله وهو فتح مكة ، وكان قد وعده الله الفتح عموماً وخصوصاً وكان كما وعد وكان معجزاً { إن الله لا يخلف الميعاد } قد مر البحث في أول سورة آل عمران .

/خ43