التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أُبَلِّغُكُمۡ رِسَٰلَٰتِ رَبِّي وَأَنَا۠ لَكُمۡ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (68)

وبعد هذا الرد القبيح منهم ، أخذ هود يدافع عن نفسه ويبين لهم وظيفته بأسلوب حكيم فقال : { يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ } أى : ليس بى أى نوع من أنواع السفاهة كما تزعمون { وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } .

فأنت ترى أن هودا في هذا الرد الحكيم على قومه ، قد نفى عن نفسه تهمة السفاهة كما نفى أخوه نوح من قبله عن نفسه تهمة الضلالة ، ثم بين لهم بعد ذلك وظيفته وطبيعة رسالته ، ثم أخبرهم بعد ذلك بمقتضى أخوته لهم ليس معقولا أن يكذب عليهم أو يخدعهم - فإن الرائد لا يكذب أهله - ، وإنما هو ناصح أمين يهديهم إلى ما يصلحهم ويبعدهم عما يسوءهم :

قال صاحب الكشاف : " وفى إجابة الأنبياء - عليهم السلام - على من نسبهم إلى الضلالة والسفاهة بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلم والاغضاء ، وترك المقابلة بما قالوا لهم ، مع علمهم بأن خصومهم أضل الناس وأسفههم - في إجابتهم هذه أدب حسن ، وخلق عظيم ، وحكاية الله - عز وجل - ذلك ، تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء ، وكيف يغضون عنهم ويسلبون أذيالهم على ما يكون منهم " .

ونلمس من خلال التعبير القرآنى أن قوم هود قد تعجبوا من اختصاص هود بالرسالة كما تعجب قوم نوح من قبلهم من ذلك ، { ونادى أَصْحَابُ النار أَصْحَابَ الجنة أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ المآء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله قالوا إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا فاليوم نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هذا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } .

إفاضة الماء : صبه ، ومادة الفيض فيها معنى الكثرة .

والمعنى : أن أهل النار - بعد أن أحاط بهم العذاب المهين - أخذوا يستجدون أهل الجنة بذلة وانكسار فيقولون لهم : أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله من طعام ، لكى نستعين بهما على ما نحن فيه من سموم وحميم .

وهنا يرد عليهم أهل الجنة بما يقطع آمالهم بسبب أعمالهم فيقولون لهم : إن الله منع كلا منهما على الكافرين ، الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا ، أى الذين اتخذوا دينهم - الذي أمرهم الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه - مادة للسخرية والتلهى ، وصرف الوقت فيما لا يفد ، فأصبح الدين - في زعمهم - صورة ورسوما لا تزكى نفساً ، ولا تطهر قلباً ، ولا تهذب خلقا وهم فوق ذلك قد غرتهم الحياة الدنيا - أى شغلتهم بمتعها ولذائذها وزينتها عن كل ما يقربهم إلى الله ، ويهديهم إلى طريقه القويم .

وقوله - تعالى - : { فاليوم نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هذا } معناه فاليوم نفعل بهم فعل الناسى بالمنسى من عدم الاعتناء بهم وتركهم في النار تركا كليا بسبب تركهم الاستعداد لهذا اليوم ، وبسبب جحودهم لآياتنا التي جاءتهم بها أنبياؤهم .

فالنسيان في حق الله - تعالى - مستعمل في لازمه ، بمعنى أن الله لا يجيب دعاءهم ، ولا يرحم ضعفهم وذلهم ، بل يتركهم في النار كما تركوا الإيمان والعمل الصالح في الدنيا .

وهكذا تسوق لنا السورة الكريمة مشاهد متنوعة لأهوال يوم القيامة ، فتحكى لنا أحوال الكافرين ، كما تصور لنا ما أعده الله للمؤمنين . كما تسوق لنا ما يدور بين الفريقين من محاورات ومناقشات فيها العبر والعظات { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيد }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أُبَلِّغُكُمۡ رِسَٰلَٰتِ رَبِّي وَأَنَا۠ لَكُمۡ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (68)

{ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } وهذه الصفات التي يتصف بها الرسل البلاغة والنصح والأمانة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أُبَلِّغُكُمۡ رِسَٰلَٰتِ رَبِّي وَأَنَا۠ لَكُمۡ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (68)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني بقوله:"أُبَلّغُكُمْ رِسالاتِ رَبّي": أؤدّي ذلك إليكم أيها القوم. "وأنا لَكُمْ ناصِحٌ": يقول: وأنا لكم في أمري إياكم بعبادة الله دون ما سواه من الأنداد والآلهة، ودعائكم إلى تصديقي فيما جئتكم به من عند الله، ناصحٌ، فاقبلوا نصيحتي، فإني أمين على وحي الله وعلى ما ائتمنني الله عليه من الرسالة، لا أكذب فيه ولا أزيد ولا أبدّل، بل أبلغ ما أمرت به كما أمرت.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي أدعوكم إلى وحدانية الله وعبادته والتمسك بالدين الذي به نجاتكم. وكل من دعا آخر إلى ما به نجاته فهو ناصح له...

{وأنا لكم ناصح أمين} أي كنت ناصحا لكم قبل هذا أمينا فيكم. فكيف تكذّبونني، وتنسبونني إلى السفه؟ وأنا أمين على الرسالة والوحي الذي وضع الله عندي...

{أبلّغكم رسالات ربي} خوّفتمونني أو لم تخوّفوني، قبلتم عني أو لم تقبلوا،...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

...معنى الإبلاغ، وهو: إحضار الشيء غيره على وجه الانتهاء، ومنه قوله "ثم أبلغه مأمنه "وقد يكون إحضارا لنفس البيان للإفهام والإبلاغ أشد اقتضاء للمنتهى إليه من الإيصال، لأنه يقتضي بلوغ فهمه وعقله كالبلاغة التي تصل إلى سويداء قلبه...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{أمين} يحتمل أن يريد: على الوحي والذكر النازل من قبل الله عز وجل، ويحتمل أن يريد: أنه أمين عليهم وعلى غيبهم وعلى إرادة الخير بهم، والعرب تقول: فلان لفلان ناصح الجيب أمين الغيب، ويحتمل أن يريد به أمين من الأمن أي جهتي ذات أمن من الكذب والغش...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

... وهذه الصفات التي يتصف بها الرسل: البلاغة والنصح والأمانة...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

أمين على ما أقول فيه عن الله تعالى فإنني لا أكذب عليكم فكيف أكذب على ربي عز وجل؟ وهذا أقوى من قول نوح: وأنصح لكم. فإنه يحتج عليهم بأن النصح وصف قائم به ثابت له عندهم، لما يعهدون من سيرته معهم، وكذلك الصدق والأمانة، لأنهم رموه بالكذب والسفاهة، وقوم نوح إنما رموه بالضلالة...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والأمانة حالة في الإنسان تبعثه على حفظ ما يجب عليه من حقّ لغيره، وتمنعه من إضاعته، أو جعله لنفع نفسه، وضدّها الخيانة. والأمانةُ من أعزّ أوصاف البشر، وهي من أخلاق المسلمين... والكذبُ من الخيانة، والصّدق من الأمانة، لأنّ الكذب الخبر بأمر غير واقع في صورة توهم السّامع واقع، فذلك خيانة للسّامع، والصّدق إبلاغ الأمر الواقع كما هو فهو أداء لأمانةِ ما علِمَه المخبرُ، فقوله في الآية {أمين} وصف يجمع الصّفات التي تجعله بمحلّ الثّقة من قومه، ومن ذلك إبطال كونه من الكاذبين. وتقديم {لكم} على عامله للإيذان باهتمامه بما ينفعهم...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

ثم قال: {أبلغكم رسالات ربي} من شرائع وأحكام فيها صلاحكم في الدنيا والآخرة، و إني مع الرسالة {ناصح أمين}، أي أنصحكم النصيحة بأمانة لا أغشكم ولا أخدعكم بل أدعوكم إلى سواء السبيل، وقد توقع استغرابهم من أن يكون منهم رسول، وقد ذكروا ذلك كما ذكروه من بعد لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فالعقلية الوثنية الجاحدة واحدة، تختلف الأقوام، ولا يختلف المنزع.