التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (49)

ثم قال - تعالى - : { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } أى : نوعين متقابلين كالذكر والأنثى . والليل والنهار ، والسماء والأرض ، والغنى والفقر ، والهدى والضلال .

{ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أى فعلنا ذلك لعلكم تعتبرون وتتعظون وتتذكرون ما يجب عليكم نحونا من الشكر والطاعة وإخلاص العبادة لنا وحدنا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (49)

{ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } أي : جميع المخلوقات أزواج : سماء وأرض ، وليل ونهار ، وشمس وقمر ، وبر وبحر ، وضياء وظلام ، وإيمان وكفر ، وموت وحياة ، وشقاء وسعادة ، وجنة ونار ، حتى الحيوانات [ جن وإنس ، ذكور وإناث ] {[27458]} والنباتات ، ولهذا قال : { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي : لتعلموا أن الخالق واحدٌ لا شريك له .


[27458]:- (2) زيادة من أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (49)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِن كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وخلقنا من كلّ شيء خلقنا زوجين ، وترك خلقنا الأولى استغناء بدلالة الكلام عليها .

واختلُف في معنى خَلَقْنا زَوْجَيْنِ فقال بعضهم : عنى به : ومن كلّ شيء خلقنا نوعين مختلفين كالشقاء والسعادة والهدى والضلالة ، ونحو ذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : قال مجاهد ، في قوله : وَمِنْ كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجِينِ قال : الكفر والإيمان ، والشقاوة والسعادة ، والهدى والضلالة ، والليل والنهار ، والسماء والأرض ، والإنس والجنّ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير ، قال : حدثنا مروان بن معاوية الفزاريّ ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : وَمِنْ كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ قال : الشمس والقمر .

وقال آخرون : عنى بالزوجين : الذكر والأنثى . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَمِنْ كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ قال : ذكرا وأنثى ، ذاك الزوجان ، وقرأ وأصْلَحْنا لَهُ زَوْجَة قال : امرأته .

وأولى القولين في ذلك قول مجاهد ، وهو أن الله تبارك وتعالى ، خلق لكلّ ما خلق من خلقه ثانيا له مخالفا في معناه ، فكلّ واحد منهما زوج للاَخر ، ولذلك قيل : خلقنا زوجين . وإنما نبه جلّ ثناؤه بذلك من قوله على قُدرته على خلق ما يشاء خلقه من شيء ، وأنه ليس كالأشياء التي شأنها فعل نوع واحد دون خلافه ، إذ كلّ ما صفته فعل نوع واحد دون ما عداه كالنار التي شأنها التسخين ، ولا تصلح للتبريد ، وكالثلج الذي شأنه التبريد ، ولا يصلح للتسخين ، فلا يجوز أن يوصف بالكمال ، وإنما كمال المدح للقادر على فعل كلّ ما شاء فعله من الأشياء المختلفة والمتفقة .

وقوله : لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ يقول : لتذكروا وتعتبروا بذلك ، فتعلموا أيها المشركون بالله أن ربكم الذي يستوجب عليكم العبادة هو الذي يقدر على خلق الشيء وخلافه ، وابتداع زوجين من كلّ شيء لا ما لا يقدر على ذلك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (49)

{ ومن كل شيء } من الأجناس . { خلقنا زوجين } نوعين { لعلكم تذكرون } فتعلمون أن التعدد من خواص الممكنات وأن الواجب بالذات لا يقبل التعدد والانقسام .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (49)

وقوله تعالى : { ومن كل شيء خلقنا زوجين } أي مصطحبين ومتلازمين ، فقال مجاهد معناه أن هذه إشارة إلى المتضادات والمتقابلات من الأشياء كالليل والنهار والشقوة والسعادة والهدى والضلالة والأرض والسماء والسواد والبياض والصحة والمرض والكفر والإيمان ونحو هذا ، ورجحه الطبري بأنه دل على القدرة التي توجد الضدين ، بخلاف ما يفعل بطبعه فعلاً واحداً كالتسخين والتبريد . وقال ابن زيد وغيره : هي إشارة غلى الأنثى والذكر من كل حيوان والترجي الذي في قوله : { لعلكم } هو بحسب خلق البشر وعرفها . وقرأ الجمهور «تذّكرون » بشد الذال والإدغام . وقرأ أبي بن كعب : «تتذكرون » بتاءين وخفة الذال .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (49)

لما أشعر قوله : { فرشناها فنعم الماهدون } [ الذاريات : 48 ] بأن في ذلك نعمة على الموجودات التي على الأرض ، أُتبع ذلك بصفة خلق تلك الموجودات لما فيه من دلالة على تفرد الله تعالى بالخلق المستلزم لتفرده بالإِلهية فقال : { ومن كل شيء خلقنا زوجين } والزوج : الذكر والأنثى . والمراد بالشيء : النوع من جنس الحيوان . وتثنية زوج هنا لأنه أريد به ما يُزوج من ذكر وأنثى .

وهذا الاستدلال عليهم بخلق يشاهدون كيفياته وأطواره كلما لفتوا أبصارهم ، وقَدحوا أفكارهم ، وهو خلق الذكر والأنثى ليكون منهما إنشاء خلق جديد يخلف ما سلفه وذلك أقرب تمثيل لإِنشاء الخلق بعد الفناء . وهو البعث الذي أنكروه لأن الأشياء تقرّب بما هو واضح من أحوال أمثالها .

ولذلك أتبعه بقوله : { لعلكم تذكرون } ، أي تتفكرون في الفروق بين الممكنات والمستحيلات ، وتتفكرون في مراتب الإِمكان فلا يختلط عليكم الاستبعاد وقلة الاعتياد بالاستحالة فتتوهموا الغريب محالاً .

فالتذكر مستعمل في إعادة التفكر في الأشياء ومراجعة أنفسهم فيما أحالوه ليعلموا بعد إعادة النظر أن ما أحالوه ممكن ولكنهم لم يألفوه فاشتبه عليهم الغريب بالمحال فأحالوه فلما كان تجديد التفكر المغفول عنه شبيهاً بتذكر الشيء المنسي أطلق عليه { لعلكم تذكرون } . وهذا في معنى قوله تعالى : { وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون } [ الواقعة : 60 62 ] فقد ذُيل هنالك بالحث على التذكر ، كما ذيل هنا برجاء التذكر ، فأفاد أن خلق الذكر والأنثى من نطفة هو النشأة الأولى وأنها الدالة على النشأة الآخرة .

وجملة { لعلكم تذكرون } تعليل لجملة { خلقنا زوجين } أي رجاء أن يكون في الزوجين تذكر لكم ، أي دلالة مغفول عنها . والقول في صدور الرجاء من الله مبين عنه قوله تعالى : { ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون } في سورة البقرة ( 52 ) .