وقوله - تعالى - : { الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ } بيان لنعمة رابعة من نعمه - تعالى - التى لا تحصى .
والحسبان : مصدر زيدت فيه الألف والنون ، والمراد بحساب دقيق ، وتقدير حكيم ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف . . . أى : الشمس والقمر يجريان فى هذا الكون ، بحساب دقيق فى بروجهما ومنازلهما ، بحيث لا يشوب جريهما اختلال أو اضطراب ، وبذلك يعرف الناس السنين والشهور والأيام ، ويعرفون أشهر الحج والصوم ، وغير ذلك من شئون الحياة .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر وَلاَ الليل سَابِقُ النهار وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }
وقوله : { الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } أي : يجريان متعاقبين بحساب مُقَنَّن لا يختلف ولا يضطرب ، { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ يس : 40 ] ، وقال تعالى : { فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [ الأنعام : 96 ] .
وعن عكرمة أنه قال : لو جعل الله نور جميع أبصار الإنس والجن والدواب والطير في عيني عبد ، ثم كشف حجابا واحدا من سبعين حجابا دون الشمس ، لما استطاع أن ينظر إليها . ونور الشمس جزء من سبعين جزءًا من نور الكرسي ، ونور الكرسي جزء من سبعين جزءًا من نور العرش ، ونور العرش جزء من سبعين جزءًا من نور الستر . فانظر ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه وقت النظر إلى وجه ربه الكريم عيانا . رواه ابن أبي حاتم .
وقوله : الشّمْسُ والقَمَرُ بحُسْبانٍ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : الشمس والقمر بحسبان ، ومنازل لها يجريان ولا يعدوانها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن خلف العسقلاني ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا إسرائيل ، قال : حدثنا سماك بن حرب ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، في قوله : الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال : بحساب ومنازل يرسلان .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال : يجريان بعدد وحساب .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي مالك الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال : بحساب ومنازل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ : أي بحساب وأجل .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال : يجريان في حساب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال : يحسب بهما الدهر والزمان لولا الليل والنهار ، والشمس والقمر لم يدرك أحد كيف يحسب شيئا لو كان الدهر ليلاً كله ، كيف يحسب ، أو نهارا كله كيف يحسب .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، قال : حدثنا أبو العوّام ، عن قتادة الشّمْسُ والقَمَرُ بِحسْبانٍ قال : بحساب وأجل .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنهما يجريان بقَدَر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا عبد الله بن داود ، عن أبي الصهباء ، عن الضحاك ، في قوله : الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال : بقدر يجريان .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أنهما يدوران في مثل قطب الرحا . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن خلف العسقلاني ، قال : حدثنا محمد بن يوسف ، قال : حدثنا إسرائيل ، قال : حدثنا أبو يحيى عن مجاهد وقال : حدثنا محمد بن يوسف ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : بِحُسْبانٍ قال : كحسبان الرحا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : بِحُسْبانٍ قال : كحسبان الرحا .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : الشمس والقمر يجريان بحساب ومنازل ، لأن الحسبان مصدر من قول القائل : حسبته حسابا وحسبانا ، مثل قولهم : كُفرته كفرانا ، وغُفْرته غُفْرانا . وقد قيل : إنه جمع حساب ، كما الشهبان : جمع شهاب .
واختلف أهل العربية فيما رفع به الشمس والقمر ، فقال بعضهم : رفعا بحسبان : أي بحساب ، وأضمر الخبر ، وقال : وأظنّ والله أعلم أنه قال : يجريان بحساب وقال بعض من أنكر هذا القول منهم : هذا غلط ، بحسبان يرافع الشمس والقمر : أي هما بحساب ، قال : والبيان يأتي على هذا : علّمه البيان أن الشمس والقمر بحسبان قال : فلا يحذف الفعل ويُضمر إلاّ شاذّا في الكلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.