التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَكُ نُطۡفَةٗ مِّن مَّنِيّٖ يُمۡنَىٰ} (37)

والاستفهام فى قوله : { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى . . } للتقرير ، والنطفة : القليل من الماء و { يمنى } يراق هذا المنى فى رحم المرأة .

أى : كيف يحسب هذا الإِنسان أنه سيترك سدى ؟ ألم يك فى الأصل قطرة ماء تصب من الرجل فى رحم المرأة وتراق فيه ؟ بل إنه كان كذلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَكُ نُطۡفَةٗ مِّن مَّنِيّٖ يُمۡنَىٰ} (37)

وفي غير تعقيد ولا غموض يأتي بالدلائل الواقعة البسيطة التي تشهد بأن الإنسان لن يترك سدى . . إنها دلائل نشأته الأولى :

( ألم يك نطفة من مني يمنى ? ثم كان علقة فخلق فسوى ? فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ? ) .

فما هذا الإنسان ? مم خلق ? وكيف كان ? وكيف صار ? وكيف قطع رحلته الكبيرة حتى جاء إلى هذا الكوكب ?

ألم يك نطفة صغيرة من الماء ، من مني يمنى ويراق ? ألم تتحول هذه النطفة من خلية واحدة صغيرة إلى علقة ذات وضع خاص في الرحم ، تعلق بجدرانه لتعيش وتستمد الغذاء ? فمن ذا الذي ألهمها هذه الحركة ? ومن ذا الذي أودعها هذه القدرة ? ومن ذا الذي وجهها هذا الإتجاه ?

ثم من ذا الذي خلقها بعد ذلك جنينا معتدلا منسق الأعضاء ? مؤلفا جسمه من ملايين الملايين من الخلايا الحية ، وهو في الأصل خلية واحدة مع بويضة ? والرحلة المديدة التي قطعها من الخلية الواحدة إلى الجنين السوي - وهي أطول بمراحل من رحلته من مولده إلى مماته - والتغيرات التي تحدث في كيانه في الرحلة الجنينية أكثر وأوسع مدى من كل ما يصادفه من الأحداث في رحلته من مولده إلى مماته ! فمن ذا الذي قاد هذه الرحلة المديدة ، وهو خليقة صغيرة ضعيفة ، لا عقل لها ولا مدارك ولا تجارب ? !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَكُ نُطۡفَةٗ مِّن مَّنِيّٖ يُمۡنَىٰ} (37)

استئناف هو علة وبيان للإِنكار المسوق للاستدلال بقوله : { أيحسب الإِنسان أن يُترك } [ القيامة : 36 ] الذي جعل تكريراً وتأييداً لمضمون قوله : { أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه الآية ، أي أنَّ خلق الإِنسان من مادة ضعيفة وتدرجه في أطوار كيانِهِ دليل على إثبات القدرة على إنشائه إنشاء ثانياً بعد تفرق أجزائه واضمحلالها ، فيتصل معنى الكلام هكذا : أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه ويُعد ذلك متعذراً . ألم نَبْدَأ خلقه إذْ كوَّنَّاه نطفة ثم تطوَّر خلقُه أطوَاراً فماذا يعجزنا أن نعيد خلقه ثانياً كذلك ، قال تعالى : { كما بدأنا أول خلق نعيده } [ الأنبياء : 104 ] .

وهذه الجمل تمهيد لقوله : { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } .

وهذا البيان خاص بأحد معنيي التَّرك في الآية وهو تركه دون إحياء وأكتفي ببيان هذا عن بيان المعنى الآخر الذي قيَّده قوله : { سُدَّى } [ القيامة : 36 ] أي تركه بدون جَزاء على أعماله لأن فائدة الإِحياء أن يجازى على عمله . والمعنى : أيحسب أن يترك فانياً ولا تجدد حياته .

ووقع وصف { سدى } في خلال ذلك موقع الاستدلال على لزوم بعث الناس من جانب الحكمة ، وانتُقل بعده إلى بيان إمكان البعث من جانب المادة ، فكان وقوعه إدماجاً .

فالإِنسان خُلق من ماء وطُوِّر أطواراً حتى صار جسداً حيّاً تامّ الخلقة والإِحساسِ فكان بعضه من صنف الذكور وبعضه من صنف الإِناث ، فالذي قدر على هذا الخلق البديع لا يعجزه إعادة خلق كل واحد كما خلقه أول مرة بحكمة دقيقة وطريقة أخرى لا يعلمها إلاّ هو .

والنُطفة : القليل من الماء سمي بها ماء التناسل ، وتقدم في سورة فاطر .

واختلف في تفسير معنى { تُمنَى } فقال كثير من المفسرين معناه : تراق . ولم يُذكر في كتب اللغة أن فعل : مَنَى أو أمْنَى يطلق بمعنى أراق سوى أن بعض أهل اللغة قال في تسمية ( مِنًى ) التي بمكة إنها سميت كذلك لأنها تُراق بها دماء الهدي ، ولم يبينوا هل هو فعل مجرد أو بهمزة التعدية .

وأحسب هذا من التلفيقات المعروفة من أهل اللغة من طلبهم إيجاد أصل لاشتقاق الأعلام وهو تكلف صراح ، فاسم ( مِنى ) عَلَم مرتجل ، وقال ثعلب : سميت بذلك من قولهم : منَى الله عليه الموت ، أي قدَّره لأنها تنحر فيها الهدايا ومثله عن ابن شميل وعن ابن عيينة . وفسر بعضهم { تُمنى } بمعنى تخلق من قولهم منَى الله الخلق ، أي خلقهم . والأظهر قول بعض المفسرين أنه مضارع أمنى الرجل فيكون كقوله : { أفرأيتم ما تُمْنُون } في سورة الواقعة ( 58 ) .

والعلقة : القطعة الصغيرة من الدم المتعقد .