التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ يَتَمَطَّىٰٓ} (33)

ثم بعد ذلك : { ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يتمطى } أى : ذهب إلى أهله متبخترا متفاخرا ، متباهيا بإصراره على كفره وفجوره .

وقوله : { يتمطى } من المط بمعنى المد . وأصله : يتمطط ، قلبت فيه الطاء حرف علة ، ووصف المتبختر فى مشيه بذلك ، لأنه يمط خطاه ، ويمدها على سبيل الإِعجاب بنفسه ، والتباهى بما هو عليه من كفر وضلال .

ولم يذكر - سبحانه - المتعلق والمفعول فى الآيات الكريمة ، للإِشعار بأن هذا الإِنسان الجاحد الجاهل . . لم يصدق بشئ من الحق ، ولم يؤد الله - تعالى - فرضا ولا سنة ، ولكنه استمر على تكذيبه وإعراضه عن الصراط المستقيم ، ولم يكتف بكل ذلك ، بل تفاخر وتباهى أمام وغيره بما هو عليه من باطل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ يَتَمَطَّىٰٓ} (33)

وفي مواجهة المشهد المكروب الملهوف الجاد الواقع يعرض مشهد اللاهين المكذبين ، الذين لا يستعدون بعمل ولا طاعة ، بل يقدمون المعصية والتولي ، في عبث ولهو ، وفي اختيال بالمعصية والتولي :

( فلا صدق ولا صلى ، ولكن كذب وتولى ، ثم ذهب إلى أهله يتمطى ) ! . .

وقد ورد أن هذه الآيات تعني شخصا معينا بالذات ، قيل هو أبو جهل " عمرو بن هشام " . . وكان يجيء أحيانا إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يسمع منه القرآن . ثم يذهب عنه ، فلا يؤمن ولا يطيع ، ولا يتأدب ولا يخشى ؛ ويؤذي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بالقول ، ويصد عن سبيل الله . . ثم يذهب مختالا بما يفعل ، فخورا بما ارتكب من الشر ، كأنما فعل شيئا يذكر . .

والتعبير القرآني يتهكم به ، ويسخر منه ، ويثير السخرية كذلك ، وهو يصور حركة اختياله بأنه( يتمطى ! )يمط في ظهره ويتعاجب تعاجبا ثقيلا كريها !

وكم من أبي جهل في تاريخ الدعوة إلى الله ، يسمع ويعرض ، ويتفنن في الصد عن سبيل الله ، والأذى للدعاة ، ويمكر مكر السيئ ، ويتولى وهو فخور بما أوقع من الشر والسوء ، وبما أفسد في الأرض ، وبما صد عن سبيل الله ، وبما مكر لدينه وعقيدته وكاد !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ يَتَمَطَّىٰٓ} (33)

و { يتمطّى } : يمشي المُطَيْطَاءَ ( بضم الميم وفتح الطاء بعدها ياء ثم طاء مقصورة وممدودة ) وهي التبختر .

وأصل { يتمطى } : يتمطط ، أي يتمدد لأن المتبختر يمُدّ خطاه وهي مشية المعجب بنفسه . وهنا انتهى وصف الإِنسان المكذب .

والمعنى : أنه أهمل الاستعداد للآخرة ولم يعبأ بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وذهب إلى أهله مزدهياً بنفسه غير مفكر في مصيره .

قال ابن عطية : قال جمهور المتأولين : هذه الآية كلها من قوله : { فَلا صدّق ولا صلّى } نزلت في أبي جهل بن هشام ، قال : ثم كادت هذه الآية تصرح به في قوله تعالى : { يتمطى } فإنها كانت مشية بني مخزوم وكان أبو جهل يكثر منها اه . وفيه نظر سيأتي قريباً .