وقوله - تعالى - : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ . . . } بيان للثمرة الطيبة التى ترتبت على دعوة إبراهيم لقومه ، إلى عبادة الله - تعالى - وحده ، بعد أن مكث فيهم مدة لا يعلمها إلا الله ، وبعد أن أقام لهم ألوانا من الأدلة على أن ما جاءهم به هو الحق ، وما هم عليه هو الباطل .
والتعبير بقوله - سبحانه - : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } يعشر بأن لوطا - عليه السلام - وحده ، هو الذى لبى دعوة إبراهيم ، وصدقه فى كل ما أخبر به .
ولوط - عليه السلام - يرى كثير من العلماء أنه ابن أخرى إبراهيم - عليه السلام - فهو لوط بن هاران بن آزر .
والضمير فى قوله - سبحانه - : { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى ربي } يرى بعضهم أنه يعود إلى لوط ، لأنه أقرب مذكور . أى : فآمن لوط لإِبراهيم وصدقه فى كل ما جاء به ، وقال إنى مهاجر إلى الجهة التى أمرنى ربى بالهجرة إليها ، لأبلغ دعوته ، فهو لم يهاجر من أجل منفعة دنيوية ، وإنما هاجر من أجل تبليغ أمر به ، وإعلاء كلمته .
ويرى آخرون أن الضمير يعود إلى إبراهيم - عليه السلام - ، لأن الحديث عنه .
قال الآلوسى ما ملخصه : { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى ربي } أى : وقال إبراهيم : إنى مهجر ، أى : من قومى ، إلى ربى . . أى إلى الجهة التى أمرنى بأن أهاجر إليها { إِنَّهُ } - عز وجل - { هُوَ العزيز } الغالب على أمره . . . { الحكيم } الذى لا يفعل فعلا إلا وفيه حكمة ومصلحة .
وقيل : الضمير فى { وَقَالَ } للوط - عليه السلام - ، وليس بشئ لما يلزم عليه من التفكيك .
وانتهت دعوة إبراهيم لقومه ، والمعجزة التي لا شك فيها . انتهت هذه وتلك بإيمان فرد واحد غير امرأته هو لوط . ابن أخيه فيما تذكر بعض الروايات . وهاجر معه من أور الكلدانيين في العراق ، إلى ما وراء الأردن حيث استقر بهما المقام :
( فآمن له لوط ، وقال : إني مهاجر إلى ربي ، إنه هو العزيز الحكيم ) . .
ونقف أمام قولة لوط : ( إني مهاجر إلى ربي ) . . لنرى فيم هاجر . إنه لم يهاجر للنجاة . ولم يهاجر إلى أرض أو كسب أو تجارة . إنما هاجر إلى ربه . هاجر متقربا له ملتجئا إلى حماه . هاجر إليه بقلبه وعقيدته قبل أن يهاجر بلحمه ودمه . هاجر إليه ليخلص له عبادته ويخلص له قلبه ويخلص له كيانه كله في مهجره ، بعيدا عن موطن الكفر والضلال . بعد أن لم يبق رجاء في أن يفيء القوم إلى الهدى والإيمان بحال .
{ فآمن } معناه فصدق وهو فعل يتعدى بالباء وباللام والقائل { إني مهاجر } هو إبراهيم عليه السلام قاله قتادة والنخعي .
وقالت فرقة : هو لوط عليه السلام ، ومما صح من القصص أن إبراهيم ولوطاً هاجرا من قريتهما كوثا وهي في سواد الكوفة من أرض بابل إلى بلاد الشام فلسطين وغيرها ، وقال ابن جريج : إلى حران ، ثم أمرا بعد إلى الشام وفي هذه الهجرة كانت سارة في صحبة إبراهيم واعتراهما أمر الملك ، والمهاجر ، النازع عن الأمر وهو في عرف الشريعة من ترك وطنه رغبة في رضى الله تعالى ، وقد ذهب بهذا الإسم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفتح ، وقوله { العزيز الحكيم } مع الهجرة إليه ، صفتان بليغتان يقتضي{[9241]} استحقاق التوكل عليه ، وفي قوله { إلى ربي } ، حذف مضاف كأنه يقول إلى رضى ربي أو نحو هذا .
جملة معترضة بين الإخبار عن إبراهيم اعتراض التفريع ، وأفادت الفاء مبادرة لوط بتصديق إبراهيم ، والاقتصار على ذكر لوط يدل على أنه لم يؤمن به إلا لوط لأنه الرجل الفرد الذي آمن به وأما امرأة إبراهيم وامرأة لوط فلا يشملهما اسم القوم في قوله تعالى { وإبراهيم إذ قال لقومه } [ العنكبوت : 16 ] الآية لأن القوم خاص برجال القبيلة قال زهير :
وفي التوراة أنه كانت معه زوجُهُ ( سارة ) وزوج لوط واسمها ( ملكة ) . ولوط هو ابن ( هاران ) أخي إبراهيم ، فلوط يومئذ من أمة إبراهيم عليهما السلام .
{ وَقَالَ إِنِّى مُهَاجِرٌ إلى ربى إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الْحَكِيمُ } .
عطف على جملة { فأنجاه الله من النار } [ العنكبوت : 24 ] .
فضمير { قال } عائد إلى إبراهيم ، أي أعلن أنه مهاجر ديار قومه وذلك لأن الله أمره بمفارقة ديار أهل الكفر .
وهذه أول هجرة لأجل الدين ولذلك جعلها هجرة إلى ربه . والمهاجرة مفاعلة من الهجر : وهو ترك شيء كان ملازماً له ، والمفاعلة للمبالغة أو لأن الذي يهجر قومه يكونون هم قد هجروه أيضاً .
وحرف { إلى } في قوله { إلى ربي } للانتهاء المجازي إذ جعل هجرته إلى الأرض التي أمره الله بأن يهاجر إليها كأنها هجرة إلى ذات الله تعالى فتكون { إلى } تخييلاً لاستعارة مكنية ؛ أو جعل هجرته من المكان الذي لا يعبد أهله الله لطلب مكان ليس فيه مشركون بالله كأنه هجرة إلى الله ، فتكون { إلى } على هذا الوجه مستعارة لمعنى لام التعليل استعارة تبعية .
ورُشحت هذه الاستعارة على كلا الوجهين بقوله { إنه هو العزيز الحكيم } . وهي جملة واقعة موقع التعليل لمضمون { إني مهاجر إلى ربي } ، لأن من كان عزيزاً يعتز به جاره ونزيله .
وإتباع وصف { العزيز } ب { الحكيم } لإفادة أن عزته محكمة واقعة موقعها المحمود عند العقلاء مثل نصر المظلوم ، ونصر الداعي إلى الحق ، ويجوز أن يكون { الحكيم } بمعنى الحاكم فيكون زيادة تأكيد معنى { العزيز } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.