التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓـَٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ} (24)

وجملة { كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيام الخالية } مقول لقول محذوف .

أى : يقال لهؤلاء المؤمنين الصادقين ، الذين أعطوى كتابهم بأيمانهم كلوا أكلا طيبا ، واشربوا هنيئا مريئا بسبب ما قدمتموه فى دنياكم من إيمان بالله - تعالى - ومن عمل صالح خالص لوجهه - تعالى - .

قال الإِمام ابن كثير : أى : يقال لهم ذلك ، تفضلا عليهم ، وامتنانا وإنعاما وإحسانا ، وإلا فقد ثبت فى الصحيح ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اعملوا وسددوا وقاربوا ، واعملوا أن أحدا منكم لن يدخله عمله الجنة . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدنى الله برحمة منه وفضل " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓـَٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ} (24)

ثم يعلن على رؤوس الأشهاد ما أعد لهذا الناجي من النعيم ، الذي تبدو فيه هنا ألوان من النعيم الحسي ، تناسب حال المخاطبين إذ ذاك ، وهم حديثو عهد بجاهلية ، ولم يسر من آمن منهم شوطا طويلا في الإيمان ، ينطبع به حسه ، ويعرف به من النعيم ما هو أرق وأعلى من كل متاع :

( فهو في عيشة راضية . في جنة عالية . قطوفها دانية . كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) . .

وهذا اللون من النعيم ، مع هذا اللون من التكريم في الالتفات إلى أهله بالخطاب وقوله : ( كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) . . فوق أنه اللون الذي تبلغ إليه مدارك المخاطبين بالقرآن في أول العهد بالصلة بالله ، قبل أن تسمو المشاعر فترى في القرب من الله ما هو أعجب من كل متاع . . فوق هذا فإنه يلبي حاجات نفوس كثيرة على مدى الزمان . والنعيم ألوان غير هذا وألوان . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓـَٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ} (24)

و { أسلفتم } معناه : قدمتم : و { الأيام } : هي أيام الدنيا لأنها في الآخرة قد خلت وذهبت . وقال وكيع وابن جبير وعبد العزيز بن رفيع : المراد { بما أسلفتم } من الصوم وعمومها في كل الأعمال أولى وأحسن .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓـَٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ} (24)

وجملة { كلوا واشربوا } إلى آخرها مقول قول محذوف وهو ومقوله في موضع صفة ل { جنة } إذ التقدير : يقال للفريق الذين يُؤتَون كتبهم بأيمانهم حين يستقرون في الجنة : { كلوا واشربوا } الخ .

ويجوز أن تكون الجملة خبراً ثانياً عن الضمير في قوله : { فهو في عيشة راضية .

وإنما أفردت ضمائر الفريق الذي أوتي كتابه بيمينه فيما تقدم ثم جاء الضمير ضمير جمع عند حكاية خطابهم لأن هذه الضمائر السابقة حُكيت معها أفعال مما يتلبس بكل فرد من الفريق عند إتمام حسابه . وأما ضمير كلوا واشربوا } فهو خطاب لجميع الفريق بعد حلولهم في الجنة ، كما يدخل الضيوف إلى المأدبة فيُحيّي كل داخل منهم بكلام يخصه فإذا استقروا أقبل عليهم مضيِّفهم بعبارات الإِكرام .

و { هنيئاً } يجوز أن يكون فعيلاً بمعنى فاعل إذا ثبت له الهناء فيكون منصوباً على النيابة عن المفعول المطلق لأنه وصفه وإسناد الهناء للأكل والشرب مجاز عقلي لأنهما متلبسان بالهناء للآكِللِ والشارب .

ويجوز أن يكون اسم فاعل من غير الثلاثي بوزن ما للثلاثي . والتقدير : مهنّئاً ، أي سبب هناء ، كما قال عَمرو بن معد يكرب :

أمِنْ ريْحَانَةَ الداعي السميع

أي المسْمع ، وكما وصف الله تعالى بالحكيم بمعنى الحُكم المصنوعات ، ويجوز أن يكون فَعيلاً بمعنى مفعول ، أي مَهْنِيئاً به .

وعلى الاحتمالات كلها فإفراد { هنيئاً } في حال أنه وصف لشيئين بناءٌ على أن فَعيلاً بمعنى فاعل لا يطابق موصوفه أو على أنه إذا كان صفة لمصدر فهو نائب عن موصوفه ، والوصف بالمصدر لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث .

و{ بما أسلفتم } في موضع الحال من ضمير { كلوا واشربوا .

والباء للسببية .

ومَا صْدَقُ ( ما ) الموصولة هو العمل ، أي الصالح .

والإِسلاف : جعل الشيء سلفاً ، أي سابقاً .

والمراد أنه مقدم سابق لإِبانه لينتفع به عند الحاجة إليه ، ومنه اشتق السلَف للقرض ، والإِسلاف للإِقراض ، والسُّلْفَة للسَّلَم .

و{ الأيام الخالية } : الماضية البعيدة مشتق من الخلو وهو الشغور والبعد .