التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ} (17)

والمراد بالملك فى قوله - تعالى - : { والملك على أَرْجَآئِهَآ } جنس الملك ، فيشمل عدد مبهم من الملائكة . . أو جميع الملائكة إذا أردنا بأل معنى الاستغراق .

والأرجاء : الأطراف والجوانب ، جمع رَجَا بالقصر ، وألفه منقلبة عن واو ، مثل : قفا وقفوان .

أى : والملائكة فى ذلك الوقت يكونون على أرجاء السماء وجوانبها ، ينفذون أمر الله - تعالى - { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } أى : والملائكة واقفون على أطراف السماء ، ونواحيها .

ويحمل عرش ربك فوق هؤلاء الملائكة فى هذا اليوم ، ثمانية منهم ، أو ثمانية من صفوفهم التى لا يعلم عددها إلا الله - تعالى - .

وعرش الله - تعالى - مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم ، فنحن نؤمن بأن الله - عز وجل - عرشا ، إلا أننا نفوض معرفة هيئته وكنهه . . إلى الله - تعالى - .

قال الألوسى ما ملخصه : قوله : { والملك على أَرْجَآئِهَآ } أى : والجنس المتعارف بالملك ، وهم الملائكة . . على جوانب السماء التى لا تتشقق . .

{ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ } أى : فوق الملائكة الذين هم على الأرجاء المدلول عليهم بالملك ، وقيل : فوق العالم كله .

{ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } أى : من الملائكة ، أو ثمانية صفوف لا يعلم عدتهم إلا الله - تعالى - .

هذا ، وقد وردت فى صفة هؤلاء الملائكة الثمانية ، أحاديث ضعيفة لذا ضربنا صفحا عن ذكرها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ} (17)

13

ثم يغمر الجلال المشهد ويغشيه ، وتسكن الضجة التي تملأ الحس من النفخة والدكة والتشقق والانتثار . يسكن هذا كله ويظهر في المشهد عرش الواحد القهار :

( والملك على أرجائها ، ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) . .

والملائكة على أرجاء هذه السماء المنشقة وأطرافها ، والعرش فوقهم يحمله ثمانية . . ثمانية أملاك أو ثمانية صفوف منها ، أو ثمانية طبقات من طبقاتهم ، أو ثمانية مما يعلم الله . لا ندري نحن من هم ولا ما هم . كما لا ندري نحن ما العرش ? ولا كيف يحمل ? ونخلص من كل هذه الغيبيات التي لا علم لنا بها ، ولم يكلفنا الله من علمها إلا ما قص علينا . نخلص من مفردات هذه الغيبيات إلى الظل الجليل الذي تخلعه على الموقف . وهو المطلوب منا أن تستشعره ضمائرنا . وهو المقصود من ذكر هذه الأحداث ليشعر القلب البشري بالجلال والرهبة والخشوع ، في ذلك اليوم العظيم ، وفي ذلك الموقف الجليل :

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ} (17)

والرجا : الجانب من الحائط والبئر ونحوه ومنه قول الشاعر [ المرادي ] : [ الطويل ]

كأن لم تري قبلي أسيراً مقيداً*** ولا رجلاً يرعى به الرجوان{[11288]}

أي يلقى في بئر فهو لا يجد ما يتمسك به . وقال الضحاك أيضاً{[11289]} وابن جبير : الضمير في { أرجائها } عائد على الأرض وإن كان لم يتقدم لها ذكر قريب لأن القصة واللفظ يقتضي إفهام ذلك ، وفسر هذه الآية بما روي أن الله تعالى يأمر ملائكة سماء الدنيا فيقفون صفاً على حافات الأرض ثم يأمر ملائكة السماء الثانية فيصفون خلفهم ثم كذلك ملائكة كل سماء ، فكلما فر أحد من الجن والإنس وجد الأرض قد أحيط بها{[11290]} ، قالوا فهذا تفسير هذه الآيات ، وهو أيضاً معنى قوله تعالى :

{ وجاء ربك والملك صفاً صفاً }{[11291]} [ الفجر : 22 ] وهو أيضاً تفسير قوله { يوم التناد يوم تولون مدبرين }{[11292]} [ غافر : 32-33 ] على قراءة من شد الدال ، وهو تفسير قوله : { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا }{[11293]} [ الرحمن : 33 ] ، واختلف الناس في الثمانية الحاملين للعرش ، فقال ابن عباس : هي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم أحد عدتهم . وقال ابن زيد : هم ثمانية أملاك على هيئة الوعول ، وقال جماعة من المفسرين : هم على هيئة الناس ، أرجلهم تحت الأرض السفلى ورؤوسهم وكواهلهم فوق السماء السابعة . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «هم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة قواهم الله بأربعة سواهم »{[11294]} . والضمير في قوله : { فوقهم } للملائكة الحملة ، وقيل للعالم كله وكل قدرة كيفما تصورت فإنما هي بحول الله وقوته .


[11288]:هذا البيت للمرادي، وذكره صاحب اللسان في "رجا" مع بيت قبله، وهما : لقد هزئت مني بنجران إذا رأت مقامي في الكبلين أم أبان كأن لم تري قبلي أسيرا مكبلا ولا رجلا يرمي به في الرجوان والرجوان: مثنى "رجا" المقصور، وهو ناحية الشيء، وخص بعض اللغويين به ناحية البئر من أعلاها إلى أسفلها وحافتيها، ويقال: "رمي به في الرجوان" والمعنى: استهين به فكأنه رمي هناك، أي في المهالك، و "المكبل" كما في رواية اللسان هو الذي قيد، والكبل هو القيد، وقد جاء لفظه في رواية ابن عطية هنا.
[11289]:زيادة في الأصول لا حاجة إليها.
[11290]:الخبر في تفسير ابن جرير، عن الضحاك بن مزاحم، ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
[11291]:الآية 22 من سورة الفجر.
[11292]:من الآيتين 32،33 من سورة غافر.
[11293]:من الآية 33 من سورة الرحمن.
[11294]:أخرجه ابن جرير الطبري من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه الطبري أيضا من طريق ابن إسحق، وهو خبر مقطوع في الروايتين.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ} (17)

وجملة { والمَلَك على أرجائها } ، حال من ضمير { فهي } ، أي ويومئذٍ الملك على أرجائها .

و { المَلك } : أصله الواحد من الملائكة ، وتعريفه هنا تعريف الجنس وهو في معنى الجمع ، أي جنس المَلَك ، أي جماعة من الملائكة أو جميع الملائكة إذا أريد الاستغراق ، واستغراق المفرد أصرح في الدلالة على الشمول ، ولذلك قال ابن عباس : الكتابُ أكْثَرُ من الكُتب ، ومنه { ربّ إني وهَن العظمُ منّي } [ مريم : 4 ] .

والأرجاء : النواحي بلُغة هذيل ، واحدُها رجَا مقصوراً وألفه منقلبة عن الواو .

وضمير { أرجائها } عائد إلى { السماء .

والمعنى : أن الملائكة يعملون في نواحي السماء ينفّذون إنزال أهل الجنة بالجنة وسَوق أهل النار إلى النار .

وعرش الرب : اسم لما يحيط بالسماوات وهو أعظم من السماوات .

والمراد بالثمانية الذين يحملون العرش : ثمانيةٌ من الملائكة ، فقيل : ثمانية شخوص ، وقيل : ثمانية صُفوف ، وقيل ثمانية أعشار ، أي نحو ثمانين من مجموع عدد الملائكة ، وقيل غير ذلك ، وهذا من أحوال الغيب التي لا يتعلق الغرض بتفصيلها ، إذ المقصود من الآية تمثيل عظمة الله تعالى وتقريب ذلك إلى الأفهام كما قال في غير آية .

ولعل المقصود بالإِشارة إلى ما زاد على الموعظة ، هو تعليم الله نبيئه شيئاً من تلك الأحوال بطريقة رمزية يفتح عليه بفهم تفصيلها ولم يُرد تشغيلنا بعلمها .

وكأنَّ الدَّاعي إلى ذكرهم إجمالاً هو الانتقال إلى الأخبار عن عرش الله لئلا يكون ذكره اقتضاباً بعد ذكر الملائكة .

وروى الترمذي عن العباس بن عبد المطلب عن النبي حديثاً ذكر فيه أبْعَادَ ما بين السماوات ، وفي ذكر حملة العرش رموز ساقها الترمذي مساق التفسير لهذه الآية ، وأحد رواتِه عبد الله بن عُميرة عن الأحْنف بن قيس قال البخاري : لا نعلم له سماعاً عن الأحنف .

وهنالك أخبار غير حديث العباس لا يعبأ بها ، وقال ابن العربي فيها : إنها متلفقات من أهل الكتاب أو من شعر لأمية بن أبي الصلت ، ولم يصح أن النبي أنشد بين يديه فصدّقه . اه .

وضمير فوقهم } يعود إلى { المَلك } .

ويتعلق { فوقَهم } ب { يحمل عرش ربّك } وهو تأكيد لما دّل عليه يحمل من كون العرش عالياً فهو بمنزلة القيدين في قوله : { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه } [ الأنعام : 38 ] .

والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم وإضافة عرش إلى الله إضافة تشريف مثل إضافة الكعبة إليه في قوله : { وطهر بيتي للطائفين } الآية [ الحج : 26 ] ، والله منزه عن الجلوس على العرش وعن السكنى في بيت .

والخطاب في قوله : { تُعرضون } لجميع الناس بقرينة المقام وما بعد ذلك من التفصيل .

والعرض : أصله إمْرار الأشياء على من يريد التأمل منها مثل عرض السلعة على المشتري وعرض الجيش على أميره ، وأطلق هنا كناية عن لازمه وهو المحاسبة معَ جواز إرادة المعنى الصريح .

ومعنى { لا تخفى منكم خافية } : لا تخفى على الله ولا على ملائكته .

وتأنيث { خافية } لأنه وصف لموصوف مؤنث يقدر بالفَعلة من أفعال العباد ، أو يقدر بنفْس ، أي لا تختبىء من الحساب نفس أي أحد ، ولا يلتبس كافر بمؤمن ، ولا بارٌّ بفاجر .