التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَلَّا بَلۡ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ} (9)

ثم يكشف القرآن بعد ذلك عن علة الغرور والغفلة - وهى التكذيب بيوم الحساب - ويقرر أن كل عمل يعمله الإِنسان هو مسجل عليه فيقول : { كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين . وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَاماً كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } .

و " كلا " حرف ردع وزجر ، وهى هنا للردع والزجر عن الاغترار بكرم الله - تعالى - وعن جعله ذريعة إلى الكفر والفسوق والعصيان .

وقوله : { كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين } إبطال لوجود ما يدعو إلى غرورهم لو كانوا يعقلون .

أى : كلا ليس هناك شئ يقتضى غروركم بالله - تعالى - ويجرؤكم على عصيانه لو كتم تتفكرون وتتدبرون . . ولكن تكذيبهم بالبعث والحساب والجزاء هو الذى حملكم على الكفر والفسوق والعصيان .

قال الآلوسى ما ملخصه : قوله { كلا } ردع عن الاغترار بكرم الله - تعالى - وقوله : { كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين } إضراب عن جملة مقدرة ، ينساق إليها الكلام ، كأنه قيل بعد الردع بطريق الاعتراض ، وأنتم لا ترتدعون عن ذلك ، بل تجترئحون على أعظم منه ، حيث تكذبون بالجزاء والبعث رأسا ، أو بدين الإِسلام ، اللذين هما من جملة أحكامه ، فلا تصدقون سؤالا ولا جوابا ، ولا ثوابا ولا عقابا ، وفيه ترق من الأهوان إلى الأعظم .

وعن الراغب : " بل " هنا لتصحيح الثانى وإبطال الأول . كأنه قيل : ليس هنا مقتض لغرورهم ، ولكن تكذيبهم بالبعث حملهم على ما ارتكبوه .

وقيل تقدير الكلام : كلا إنكم لا تستقيمون على ما توجبه نعمى إليكم ، وإرشادى لكم ، بل تكذبون بالدين . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَلَّا بَلۡ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ} (9)

( كلا ! بل تكذبون بالدين . وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين ، يعلمون ما تفعلون . إن الأبرار لفي نعيم . وإن الفجار لفي جحيم ، يصلونها يوم الدين ، وما هم عنها بغائبين ) . .

وكلا كلمة ردع وزجر عما هم فيه . وبل كلمة إضراب عما مضى من الحديث . ودخول في لون من القول جديد . لون البيان والتقرير والتوكيد . وهو غير العتاب والتذكير والتصوير . .

( كلا . بل تكذبون بالدين ) . . تكذبون بالحساب والمؤاخذة والجزاء . وهذه هي علة الغرور ، وعلة التقصير . فما يكذب القلب بالحساب والجزاء ثم يستقيم على هدى ولا خير ولا طاعة . وقد ترتفع القلوب وتشف ، فتطيع ربها وتعبده حبا فيه ، لا خوفا من عقابه ، ولا طمعا في ثوابه . ولكنها تؤمن بيوم الدين وتخشاه ، وتتطلع إليه ، لتلقى ربها الذي تحبه وتشتاق لقاءه وتتطلع إليه . فأما حين يكذب الإنسان تكذيبا بهذا اليوم ، فلن يشتمل على أدب ولا طاعة ولا نور . ولن يحيا فيه قلب ، ولن يستيقظ فيه ضمير .

تكذبون بيوم الدين . . وأنتم صائرون إليه ، وكل ما عملتم محسوب عليكم فيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَلَّا بَلۡ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ} (9)

ثم رد على سائر أقوالهم ورد عنها بقوله : { كلا } ، ثم أثبت لهم تكذيبهم بالدين ، وهذا الخطاب عام ومعناه الخصوص في الكفار ، وقرأ جمهور الناس : «تكذبون » بالتاء من فوق ، وقرأ الحسن وأبو جعفر : «يكذبون » بالياء ، و { الدين } هنا يحتمل أن يريد الشرع ، ويحتمل أن يريد الجزاء والحساب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَلَّا بَلۡ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ} (9)

{ كَلاَّ } ردع عما هو غرور بالله أو بالغرور مما تضمنه قوله : { ما غرك بربك } [ الانفطار : 6 ] من حصور ما يغرّ الإِنسان بالشرك ومن إغْراضه عن نعم الله تعالى بالكفر ، أو من كون حالة المشرك كحالة المغرور كما تقدم من الوجهين في الإِنكار المستفاد من قوله : { ما غرك بربك الكريم } .

والمعنى : إشراكك بخالقك باطل وهو غُرور ، أو كالغرور .

ويكون قوله بعده : { بل تكذبون بالدين } إضراباً انتقالياً من غرض التوبيخ والزجر على الكفر إلى ذكر جرم فظيع آخر ، وهو التكذيب بالبعث والجزاء ويشمله التوبيخ بالزجر بسبب أنه معطوف على توبيخ وجزر لأن { بل } لا تخرج عن معنى العطف أي العطف في الغرض لا في نسبة الحكم . ولذلك يتبع المعطوف بها المفرد في إعراب المعطوف عليه فيقول النحويون : إنها تُتْبَع في اللفظ لا في الحكم ، أي هو اتباعُ مناسبة في الغرض لا اتباعٌ في النسبة .

ويجوز أن يكون { كلاّ } إبطالاً لوجود ما يغرّ الإِنسان أن يشرك بالله ، أي لا عذر للإِنسان في الإِشراك بالله إذ لا يوجد ما يغرّه به .

ويكون قوله : { بل تكذبون } إضراباً إبطالياً ، وما بعد { بل } بياناً لِما جرَّأهم على الإِشراك وأنه ليس غروراً إذ لا شبهة لهم في الإِشراك حتى تكون الشبهة كالغرور ، ولكنهم أصروا على الإِشراك لأنهم حسبوا أنفسهم في مأمن من تبعته فاختاروا الاستمرار عليه لأنه هوى أنفسهم ، ولم يعبأوا بأنه باطل صُراح فهم يكذبون بالجزاء فذلك سبب تصميم جميعهم على الشرك مع تفاوت مداركهم التي لا يخفى على بعضِها بطلانُ كون الحجارة آلهة ، ألا ترى أنهم ما كانوا يرون العذاب إلا عذاب الدنيا .

وعلى هذا الوجه يكون فيه إشارة إلى أن إنكار البعث هو جُماع الإِجرام ، ونظير هذا الوجه وقع في قوله تعالى : { فمالهم لا يؤمنون وإذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون بل الذين كفروا يكذبون } في سورة الانشقاق ( 20 ، 22 ) .

وقرأ الجمهور : { تكذبون } بتاء الخطاب . وقرأه أبو جعفر بياء الغيبة على الالتفات .

وفي صيغة المضارع من قوله : { تكذبون بالدين } إفادة أن تكذيبهم بالجزاء متجدد لا يقلعون عنه ، وهو سبب استمرار كفرهم .

وفي المضارع أيضاً استحضار حالة هذا التكذيب استحضاراً يقتضي التعجيب من تكذيبهم لأن معهم من الدلائل ما لحقه أن يقلع تكذيبهم بالجزاء .

والدين : الجزاء .