تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{كَلَّا بَلۡ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ} (9)

الآية 9 : وقوله تعالى : { كلا بل تكذبون بالدين } فإن حملت قوله : { كلا } على التنبيه والردع فيمكن أن يعطف على ما قبله وعلى ما بعده ، وكذلك إذا حملته على القسم بمعنى : حقا ، فإنه يستقيم عطفه على الأمرين جميعا .

وقوله تعالى : { بالدين } يحتمل أن يكون أريد به دين الإسلام . والأصل أن الدين إذا أطلق أريد به الدين الحق ، وهو الإسلام ، وكذلك الكتاب المطلق كتاب الله تعالى .

ويجوز أن يكون أريد به البعث والجزاء . وسمي يوم الدين لما ذكرنا أن الناس يدانون بأعمالهم . والحكمة فيه ، والله أعلم ، أنهم أقروا بأن الله تعالى أحكم الحاكمين . وتكذيبهم بيوم الدين يوجب أن يكون أسفه{[23244]} السفهاء لا أن يكون أحكم الحاكمين ، لأن الدنيا ، عواقبها الفناء{[23245]} والهلاك ؛ فهم إذا كذبوا بالبعث ، فقد زعموا أنهم ما أنشئوا إلا للهلاك والفناء ، ومن بنى بناء ، ولم يقصد ببنائه سوى أن يقضه ، ويهدمه ، فهو سفيه عابث في الفعل ، فلم يحصلوا من تكذيبهم إلا على نفي الحكمة من الصانع وتثبيت السفه لله تعالى { سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا } [ الإسراء : 43 ] وهو قوله : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا } [ ص : 27 ] وهم لم يكونوا يدّعون أنهما خلقتا باطلا ، ولا يظنون ذلك ، ولكن الإنكار الذي وجد منهم بالبعث والجزاء يقتضي خلقهما باطلا . فعلى ذلك إنكارهم البعث يزيل عنه القول بأنه أحكم الحاكمين ، ويثبت ما ذكرنا من السفه { سبحانه وتعالى عما يصفون } [ الأنعام : 100 ] .


[23244]:من م، في الأصل: أريد.
[23245]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: الفساد.