مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{كَلَّا بَلۡ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ} (9)

قوله تعالى : { كلا بل تكذبون بالدين } اعلم أنه سبحانه لما بين بالدلائل العقلية على صحة القول بالبعث والنشور على الجملة ، فرع عليها شرح تفاصيل الأحوال المتعلقة بذلك ، وهو أنواع :

النوع الأول : أنه سبحانه زجرهم عن ذلك الاغترار بقوله : { كلا } و{ بل } حرف وضع في اللغة لنفي شيء قد تقدم وتحقق غيره ، فلا جرم ذكروا في تفسير { كلا } وجوها ( الأول ) : قال القاضي : معناه أنكم لا تستقيمون على توجيه نعمي عليكم وإرشادي لكم ، بل تكذبون بيوم الدين ( الثاني ) : كلا أي ارتدعوا عن الاغترار بكرم الله ، ثم كأنه قال : وإنكم لا ترتدعون عن ذلك بل تكذبون بالدين أصلا ( الثالث ) : قال القفال : كلا أي ليس الأمر كما تقولون من أنه لا بعث ولا نشور ، لأن ذلك يوجب أن الله تعالى خلق الخلق عبثا وسدى ، وحاشاه من ذلك ، ثم كأنه قال : وإنكم لا تنتفعون بهذا البيان بل تكذبون ، وفي قوله : { تكذبون بالدين } وجهان ( الأول ) : أن يكون المراد من الدين الإسلام ، والمعنى أنكم تكذبون بالجزاء على الدين والإسلام ( الثاني ) : أن يكون المراد من الدين الحساب ، والمعنى أنكم تكذبون بيوم الحساب .