التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يُصۡهَرُ بِهِۦ مَا فِي بُطُونِهِمۡ وَٱلۡجُلُودُ} (20)

وقوله : { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ والجلود } بيان للآثار التى تترتب على هذا العذاب .

والفعل " يصهر " مأخوذ من الصهر بمعنى الإذابة . يقال : صهر فلان الشحم يصهره إذا أذابه .

أى : فذلك الحميم الذى يصب من فوق رءوسهم من آثاره أنه يذاب به ما بطونهم من الشحوم والأحشاء . كما تذاب به جلودهم - أيضا - فقوله : { والجلود } عطف على { مَا } الموصولة فى قوله { مَا فِي بُطُونِهِمْ } أى : يذاب به الذى فى بطونهم وتذاب به أيضا جلودهم .

وقيل : إن لفظ الجلود مرفوع بفعل محذوف معطوف على " يصهر " .

والتقدير : يصهر به ما فى بطونهم من أحشاء وشحوم ، وتحرق به الجلود . قالوا : ذلك لأن الجلود لا تذاب وإنما تنقبض وتنكمش إذا أصليت بالنار .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يُصۡهَرُ بِهِۦ مَا فِي بُطُونِهِمۡ وَٱلۡجُلُودُ} (20)

ثم مشهد من مشاهد القيامة يتجلى فيه الإكرام والهوان ، في صورة واقع يشهد كأنه معروض للعيان :

هذا خصمان اختصموا في ربهم . فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ، يصب من فوق رؤوسهم الحميم ، يصهر به ما في بطونهم والجلود ؛ ولهم مقامع من حديد ، كلما أرادوا أن يخرجوا منها - من غم - أعيدوا فيها . وذوقوا عذاب الحريق . إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ، يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير .

إنه مشهد عنيف صاخب ، حافل بالحركة ، مطول بالتخييل الذي يبعثه في النفس نسق التعبير . فلا يكاد الخيال ينتهي من تتبعه في تجدده . .

هذه ثياب من النار تقطع وتفصل ! وهذا حميم ساخن يصب من فوق الرؤوس ، يصهر به ما في البطون والجلود عند صبه على الرؤوس ! وهذه سياط من حديد أحمته النار . . وهذا هو العذاب يشتد ، ويتجاوز الطاقة ، فيهب ( الذين كفروا )من الوهج والحميم والضرب الأليم يهمون بالخروج من هذا( الغم )وها هم أولاء يردون بعنف ، ويسمعون التأنيب : ( وذوقوا عذاب الحريق ) . .

ويظل الخيال يكرر هذه المشاهد من أولى حلقاتها إلى أخراها ، حتى يصل إلى حلقة محاولة الخروج والرد العنيف ، ليبدأ في العرض من جديد !

ولا يبارح الخيال هذا المشهد العنيف المتجدد إلا أن يلتفت إلى الجانب الآخر ، الذي يستطرد السياق إلى عرضه . فأصل الموضوع أن هناك خصمين اختصموا في ربهم . فأما الذين كفروا به فقد كنا نشهد مصيرهم المفجع منذ لحظة ! وأما الذين آمنوا فهم هنالك في الجنات تجري من تحتها الأنهار . وملابسهم لم تقطع من النار ، إنما فصلت من الحرير . ولهم فوقها حلى من الذهب واللؤلؤ . وقد هداهم الله إلى الطيب من القول ، وهداهم إلى صراط الحميد . فلا مشقة حتى في القول أو في الطريق . . والهداية إلى الطيب من القول ، والهداية إلى صراط الحميد نعمة تذكر في مشهد النعيم . نعمة الطمأنينة واليسر والتوفيق .

وتلك عاقبة الخصام في الله . فهذا فريق وذلك فريق . . فليتدبر تلك العاقبة من لا تكفيه الآيات البينات ، ومن يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يُصۡهَرُ بِهِۦ مَا فِي بُطُونِهِمۡ وَٱلۡجُلُودُ} (20)

{ يصهر به ما في بطونهم والجلود } أي يؤثر من فرط حرارته في بطونهم تأثيره في ظاهرهم فتذاب به أحشاؤهم كما تذاب به جلودهم ، والجملة حال من { الحميم } أو من ضميرهم . وقرىء بالتشديد للتكثير .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يُصۡهَرُ بِهِۦ مَا فِي بُطُونِهِمۡ وَٱلۡجُلُودُ} (20)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يصهر} يعني: يذاب {به} يعني: بالحميم {ما في بطونهم والجلود}، يقول: وتنضج الجلود.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالجُلُودُ" يقول: يذاب بالحميم الذي يصبّ من فوق رؤوسهم ما في بطونهم من الشحوم، وتشوى جلودهم منه فتتساقط. والصهر: هو الإذابة، يقال منه: صهرت الألية بالنار: إذا أذبتها...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

أي: إذا صبّ الحميم على رؤوسهم كان تأثيره في الباطن نحو تأثيره في الظاهر، فيذيب أحشاءهم وأمعاءهم كما يذيب جلودهم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

... أنه أراد الحميم يهبط كل ما يلقى في الجوف ويكشطه ويسلته...

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

ولما ذكر ما يعذب به الجسد ظاهره وما يصب على الرأس ذكر ما يصل إلى باطن المعذب وهو الحميم الذي يذيب ما في البطن من الحشا ويصل ذلك الذوب إلى الظاهر وهو الجلد فيؤثر في الظاهر تأثيره في الباطن كما قال تعالى.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

وقيل إن التأثير في الظاهر غني عن البيان، وإنما ذكر للإشارة إلى تساويهما؛ ولذا قدم الباطن لأن المقصود الأهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 19]

إنه مشهد عنيف صاخب، حافل بالحركة، مطول بالتخييل الذي يبعثه في النفس نسق التعبير. فلا يكاد الخيال ينتهي من تتبعه في تجدده.. هذه ثياب من النار تقطع وتفصل! وهذا حميم ساخن يصب من فوق الرؤوس، يصهر به ما في البطون والجلود عند صبه على الرؤوس! وهذه سياط من حديد أحمته النار.. وهذا هو العذاب يشتد، ويتجاوز الطاقة، فيهب (الذين كفروا) من الوهج والحميم والضرب الأليم يهمون بالخروج من هذا (الغم) وها هم أولاء يردون بعنف، ويسمعون التأنيب: (وذوقوا عذاب الحريق).. فأصل الموضوع أن هناك خصمين اختصموا في ربهم. فأما الذين كفروا به فقد كنا نشهد مصيرهم المفجع منذ لحظة! وأما الذين آمنوا فهم هنالك في الجنات تجري من تحتها الأنهار. وملابسهم لم تقطع من النار، إنما فصلت من الحرير. ولهم فوقها حلى من الذهب واللؤلؤ. وقد هداهم الله إلى الطيب من القول، وهداهم إلى صراط الحميد. فلا مشقة حتى في القول أو في الطريق.. والهداية إلى الطيب من القول، والهداية إلى صراط الحميد نعمة تذكر في مشهد النعيم. نعمة الطمأنينة واليسر والتوفيق. وتلك عاقبة الخصام في الله. فهذا فريق وذلك فريق.. فليتدبر تلك العاقبة من لا تكفيه الآيات البينات، ومن يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير..

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 19]

وها هو كتاب الله يشير في بداية هذا الربع إلى ما يجري عادة في كل جيل من الخصومة والنزاع، والمواجهة والصراع، بين أنصار الحق وأتباع الباطل، إذ من المتعذر أن يقع بين هذين الفريقين ائتلاف والتقاء، ما دام الأولون يعملون جادين لنيل الفوز والسعادة، والآخرون يشقون طريقهم مسرعين نحو الخيبة والشقاء {هذان خصمان اختصموا في ربهم}، لا سيما والخصومة بينهم خصومة في الله، لا تنتهي بالصلح والتراضي إلا إذا تحقق رضا الله. وبعدما وضع كتاب الله أمام الأنظار قصة الفريقين المتخاصمين على وجه الإجمال أوضح المصير الذي يؤول إليه كل فريق بعد الفصل بينهما في الدار الآخرة، فقال تعالى في شأن الكافرين الأشقياء: {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود، ولهم مقامع من حديد، كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها، وذوقوا عذاب الحريق}.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

إن هذا الماء بلغ من الحرارة منتهاها، فلم يغل عند درجة الحرارة التي نعرفها، إنما يغليه ربه الذي لا يطيق عذابه أحد. وأنت إذا صببت الماء المغلى على جسم إنسان فإنه يشوي جسمه من الخارج، إنما لا يصل إلى داخله، أما هذا الماء حين يصب عليهم فإنه يصهر ما في بطونهم أولا، ثم جلودهم بعد ذلك، فاللهم قنا عذابك يوم تبعث عبادك.