التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَيَعِدُكُمۡ أَنَّكُمۡ إِذَا مِتُّمۡ وَكُنتُمۡ تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَنَّكُم مُّخۡرَجُونَ} (35)

أما شبهتهم الثانية التى أثاروها لصرف الناس عن الحق . فقد حكاها القرآن فى قوله عنهم : { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ . . . } . أى : أيعدكم هذا الذى يدعى النبوة - وهو بشر مثلكم - أنكم إذا فارقتم هذه الحياة وصرتم أمواتاً ، وصارت بعض أجزاء أجسامكم تراباً وبعضها عظاماً نخرة ، أنكم مخرجون من قبوركم إلى الحياة مرة أخرى للحساب والجزاء ؟

والاستفهام فى قوله { أَيَعِدُكُمْ } للإنكار والتحذير من اتباع هذا النبى ، والجملة مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها من الصد عن الاستماع إلى ما جاءهم به نبيهم ، لأنه - فى زعمهم - يؤدى إلى الخسران .

وكرر - سبحانه - لفظ { أَنَّكُمْ } لبيان حرصهم على تأكيد أقوالهم الباطلة فى نفوس الناس ، حتى يفروا من وجه نبيهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَيَعِدُكُمۡ أَنَّكُمۡ إِذَا مِتُّمۡ وَكُنتُمۡ تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَنَّكُم مُّخۡرَجُونَ} (35)

23

ثم يزيد المترفون هنا إنكار البعث بعد الموت والبلى ؛ ويعجبون من هذا الرسول الذي ينبئهم بهذا الأمر الغريب .

أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ? هيهات هيهات لما توعدون : إن هي إلا حياتنا الدنيا ، نموت و نحيا ، وما نحن بمبعوثين . .

ومثل هؤلاء لا يمكن أن يدركوا حكمة الحياة الكبرى ؛ ودقة التدبير في أطوارها للوصول بها إلى غايتها البعيدة . هذه الغاية التي لا تتحقق بكمالها في هذه الأرض . فالخير لا يلقى جزاءه الكامل في الحياة الدنيا . والشر كذلك . إنما يستكملان هذا الجزء هنالك ، حيث يصل المؤمنون الصالحون إلى قمة الحياة المثلى ، التي لا خوف فيها ولا نصب ، ولا تحول فيها ولا زوال - إلا أن يشاء الله - ويصل المرتكسون المنتكسون إلى درك الحياة السفلية التي تهدر فيها آدميتهم ، ويرتدون فيها أحجارا ، أو كالأحجار !

مثل هؤلاء لا يدركون هذه المعاني ؛ ولا يستدلون من أطوار الحياة الأولى - التي سبقت في السورة - على أطوارها الأخيرة ؛ ولا ينتبهون إلى أن القوة المدبرة لتلك الأطوار لا تقف بالحياة عند مرحلة الموت والبلى كما يظنون . . لذلك هم يستعجبون ويعجبون من ذلك الذي يعدهم أنهم مخرجون ؛ ويستبعدون في جهالة أن ذلك يكون ؛ ويجزمون في تبجح بأن ليس هنالك إلا حياة واحدة وموت واحد . يموت جيل ويحيا بعده جيل . فأما الذين ماتوا ، وصاروا ترابا وعظاما ، فهيهات هيهات الحياة لهم ، كما يقول ذلك الرجل الغريب !

وهيهات هيهات البعث الذي يعدهم به ، وقد صاروا عظاما ورفاتا !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَيَعِدُكُمۡ أَنَّكُمۡ إِذَا مِتُّمۡ وَكُنتُمۡ تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَنَّكُم مُّخۡرَجُونَ} (35)

{ أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما } مجردة عن اللحوم والأعصاب . { أنكم مخرجون } من الأجداث أو من العدم تارة أخرى إلى الوجود ، و { أنكم } تكرير للأول أكد به لما طال الفصل بينه وبين خبره ، أو أنكم لمخرجون مبتدأ خبره الظرف المقدم ، أو فاعل للفعل المقدر جوابا للشرط والجملة خبر الأول أي : أنكم إخراجكم إذا متم ، أو إنكم إذا متم وقع إخراجكم ويجوز أن يكون خبر الأول محذوفا لدلالة خبر الثاني عليه لا أن يكون الظرف لأن اسمه جثة .