التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّٗا} (30)

ولكن عيسى - عليه السلام - أنطقه الله - تعالى - بما يدل على صدق مريم وطهارتها فقال : { قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله . . } أى : قال عيسى فى رده على المنكرين على أمه إتيانها به : إنى عبد الله ، خلقنى بقدرته ، فأنا عبده وأنتم - أيضاً - عبيده ، وهذا الخالق العظيم { آتَانِيَ الكتاب } أى : سبق فى قضائه إيتائى الكتاب أى : الإنجيل أو التوراة أو مجموعهما .

وعبر فى هذه الجملة وفيما بعدها بالفعل الماضى عما سيقع فى المستقبل ، تنزيلاً لتحقق الوقوع منزلة الوقوع الفعلى .

وهذا التعبير له نظائر كثيرة فى القرآن الكريم ، منها قوله - تعالى - : { أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } وقوله - سبحانه - { وَنُفِخَ فِي الصور فَصَعِقَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَآءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّٗا} (30)

16

ولكن ها هي ذي الخارقة العجيبة تقع مرة أخرى :

قال : إني عبد الله ، آتاني الكتاب ، وجعلني نبيا ، وجعلني مباركا أينما كنت ، وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ، وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ، والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا .

وهكذا يعلن عيسى - عليه السلام - عبوديته لله . فليس هو ابنه كما تدعي فرقة . وليس هو إلها كما تدعي فرقة . وليس هو ثالث ثلاثة هم إله واحد وهم ثلاثة كما تدعي فرقة . . ويعلن أن الله جعله نبيا ، لا ولدا ولا شريكا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّٗا} (30)

قال : { إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ } أول شيء تكلم به أن نزه جناب ربه تعالى{[18805]} وبرأ الله عن الولد ، وأثبت لنفسه العبودية لربه .

وقوله : { آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا } : تبرئة لأمه مما نسبت إليه من الفاحشة .

قال نوف البكالي : لما قالوا لأمه ما قالوا ، كان يرتضع ثديه ، فنزع الثدي من فمه ، واتكأ على جنبه الأيسر ، وقال : { إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا } إلى قوله : { مَا دُمْتُ حَيًّا }

وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت البُنَاني : رفع إصبعه السبابة فوق منكبه ، وهو يقول : { إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا } الآية .

وقال عكرمة : { آتَانِيَ الْكِتَابَ } أي : قضى أنه{[18806]} يؤتيني الكتاب فيما قضى .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن المصفى ، حدثنا يحيى بن سعيد{[18807]} عن عبد العزيز بن زياد ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : كان عيسى ابن مريم قد درس الإنجيل وأحكمه{[18808]} في بطن أمه فذلك قوله : { إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا } .

يحيى بن سعيد العطار الحمصي : متروك .


[18805]:في ف، أ: "عز وجل".
[18806]:في ف، أ: "أن".
[18807]:في أ: "يحيى بن سعيد العطار".
[18808]:في أ: "وأحكمها".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّٗا} (30)

كلام عيسى هذا مما أهملته أناجيل النصارى لأنهم طووا خبر وصولها إلى أهلها بعد وضعها ، وهو طيّ يتعجب منه . ويدل على أنها كتبت في أحوال غير مضبوطة ، فأطلع الله تعالى عليه نبيئه صلى الله عليه وسلم .

والابتداء بوصف العبودية لله ألقاه الله على لسان عيسى لأن الله علم بأن قوماً سيقولون : إنه ابن الله .

والتعبير عن إيتاء الكتاب بفعل المضي مراد به أن الله قدّر إيتاءه إياه ، أي قدّر أن يوتيني الكتاب .

والكتاب : الشريعة التي من شأنها أن تكتب لئلا يقع فيها تغيير . فإطلاق الكتاب على شريعة عيسى كإطلاق الكتاب على القرآن . والمراد بالكتاب الإنجيل وهو ما كتب من الوحي الذي خاطب الله به عيسى . ويجوز أن يراد بالكتاب التوراة فيكون الإيتاء إيتاءَ علم ما في التوراة كقوله تعالى : { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } [ مريم : 12 ] فيكون قوله { وجعلني نبيئاً } ارتقاء في المراتب التي آتاه الله إياها .

والقول في التعبير عنه بالماضي كالقول في قوله و { ءاتانِي الكِتَابَ } .