جملة { ادْخُلوا أبْوَابَ جَهَنَّم } يجوز أن تكون استنئافاً بيانياً لأنهم لما سمعوا التقريع والتوبيخ وأيقنوا بانتفاء الشفيع ترقبوا ماذا سيؤمر به في حقهم فقيل لهم { أدْخُلوا أبوَابَ جهنَّم } ، ويجوز أن تكون بدل اشتمال من جملة { ذلكم بِمَا كنتم تفرحون } الخ ، فإن مدلول اسم الإِشارة العذابُ المشاهد لهم وهو يشتمل على إدخالهم أبواب جهنم والخلودَ فيها .
ودخول الأبواب كناية عن الكون في جهنم لأن الأبواب إنما جعلت ليسلك منها إلى البيت ونحوه . و { خالدين } حال مقدرة ، أي مقدراً خلودكم .
وفرع عليه { فَبِئْسَ مَثْوَى المُتَكبرين } ، والمخصوص بالذم محذوف لأنه يدل عليه ذكر جهنم أي فبئس مثوى المتكبرين جهنمُ ، ولم يتصل فعل ( بئس ) بتاء التأنيث لأن فاعله في الظاهر هو { مثوى } لأن العبرة بإسناد فعل الذم والمدح إلى الاسم المذكور بعدهما ، وأما اسم المخصوص فهو بمنزلة البيان بعد الإِجمال فهو متبدأ خبره محذوف أو خبرُ مبتدإٍ محذوف ، ولذلك عدّ باب نعم وبئس من طرق الإِطناب .
والمثوى : محل الثواء ، والثواء : الإِقامة الدائمة ، وأوثر لفظ { مثوى } دون ( مُدخل ) المناسبِ ل { ادخلوا } لأن المثوى أدل على الخلود فهو أولى بمساءتِهم .
والمراد بالمتكبرين : المخاطبون ابتداء لأنهم جادلوا في آيات الله عن كِبْر في صدورهم كما قال تعالى : { إنَّ الذين يجادلون في ءاياتت الله بِغَير سلطان أتاهم إن في صُدُورهم إلاَّ كِبْرٌ مَا هُم ببالغيه } [ غافر : 56 ] ولأن تكبرهم من فرحهم .
وإنما عدل عن ضميرهم إلى الاسم الظاهر وهو { المتكبرين } للإِشارة إلى أن من أسباب وقوعهم في النار تكبرهم على الرسل . وليكون لكل موصوف بالكِبْر حظ من استحقاق العقاب إذا لم يتُب ولم تغلب حسناته على سيئاته إن كان من أهل الإِيمان .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ادخلوا أبواب جهنم} السبع {خالدين فيها} لا تموتون.
{فبئس مثوى} يعني فبئس مأوى {المتكبرين} عن الإيمان.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"ادْخُلُوا أبْوَابَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيها" يقول تعالى ذكره لهم: ادخلوا أبواب جهنم السبعة من كل باب منها جزء مقسوم منكم.
"فَبِئْسَ مَثْوَى المُتُكَبّرِينَ "يقول: فبئس منزل المتكبرين في الدنيا على الله أن يوحدوه، ويؤمنوا برسله اليوم جهنم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
لما حكى الله تعالى ما يقال للكفار من قوله "ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون "حكى أيضا أنه يقال لهم "ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها" أي مؤبدين فيها لا انقطاع لكونكم فيها ولا نهاية لعقابكم. وقيل: إنما جعل لجهنم أبواب كما جعل فيها الأدراك تشبيها بما يتصور الإنسان في الدنيا من المطابق والسجون والمطامير، فإن ذلك أهول وأعظم في الزجر...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان السياق لذم الجدال، وكان الجدال إنما يكون عن الكبر، وكان الفرح غير ملازم للكبر، لم يسبب دخول النار عنه، بل جعله كالنتيجة لجميع ما مضى فقال: {ادخلوا} أي أيها المكذبون.
ولما كان في النار أنواع من العذاب، دل على تعذيبهم بكل نوع منها بذكر الأبواب جزاء على ما كانوا يخوضون بجدالهم في كل نوع من أنواع الأباطيل فقال: {أبواب جهنم} أي الدركة التي تلقي صاحبها بتكبر وعبوسة وتجهم.
{خالدين فيها} أي لازمين لما شرعتم فيه بالدخول من الإقامة لزوماً لا براح منها أصلاً.
ولما كانت نهاية في البشاعة والخزي والسوء، وكان دخولهم فيها مقروناً بخلودهم سبباً لنحو أن يقال فهي مثواكم، تسبب عنه قوله: {فبئس مثوى} دون أن يقال: مدخل.
{المتكبرين} أي موضع إقامتهم المحكوم بلزومهم إياه؛ لكونهم تعاطوا ما ليس لهم، ولا ينبغي أن يكون إلا الله يقول الله تعالى:"الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعنيهما قصمته".
ولم يؤكد جملة {بئس} هنا لأن مقاولتهم هذه بنيت على تجدد علمهم في الآخرة بأحوال النار، وأحوال ما سببها، والتأكيد يكون للمنكر ومن في عداده، وحال كل منهما مناف للعلم، وزاد ذلك حسناً أن أصل الكلام مع الأعلم للسر الذي تقدم -صلى الله عليه وسلم فبعد جداً من التأكيد.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين).. يا مغيث! وأين اذن كان السحب في السلاسل والأغلال، وكان الماء الحار والنار؟ يبدو أنها كانت مقدمة للدخول في جهنم للخلود..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {ادْخُلوا أبْوَابَ جَهَنَّم} يجوز أن تكون استنئافاً بيانياً لأنهم لما سمعوا التقريع والتوبيخ وأيقنوا بانتفاء الشفيع ترقبوا ماذا سيؤمر به في حقهم فقيل لهم {أدْخُلوا أبوَابَ جهنَّم}، ويجوز أن تكون بدل اشتمال من جملة {ذلكم بِمَا كنتم تفرحون} الخ، فإن مدلول اسم الإِشارة العذابُ المشاهد لهم وهو يشتمل على إدخالهم أبواب جهنم والخلودَ فيها.
ودخول الأبواب كناية عن الكون في جهنم لأن الأبواب إنما جعلت ليسلك منها إلى البيت ونحوه.
و {خالدين} حال مقدرة، أي مقدراً خلودكم...
والمثوى: محل الثواء، والثواء: الإِقامة الدائمة، وأوثر لفظ {مثوى} دون (مُدخل) المناسبِ ل {ادخلوا} لأن المثوى أدل على الخلود فهو أولى بمساءتِهم.
والمراد بالمتكبرين: المخاطبون ابتداء لأنهم جادلوا في آيات الله عن كِبْر في صدورهم كما قال تعالى: {إنَّ الذين يجادلون في ءايات الله بِغَير سلطان أتاهم إن في صُدُورهم إلاَّ كِبْرٌ مَا هُم ببالغيه} [غافر: 56] ولأن تكبرهم من فرحهم.
وإنما عدل عن ضميرهم إلى الاسم الظاهر وهو {المتكبرين} للإِشارة إلى أن من أسباب وقوعهم في النار تكبرهم على الرسل. وليكون لكل موصوف بالكِبْر حظ من استحقاق العقاب إذا لم يتُب ولم تغلب حسناته على سيئاته إن كان من أهل الإِيمان.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ولمثل هؤلاء يصدر الخطاب الإلهي: (ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين). هذه الآية تؤّكد مرّة اُخرى على أنّ التكبر هو أساس المصائب، ذلك أنّ التكبر هو قاعدة الفساد، ويحجب البصائر عن رؤية الحق ويجعل الإنسان يخالف دعوة الأنبياء (عليهم السلام).
ثم تشير الآية إلى أبواب جهنّم بقوله تعالى: (أبواب جهنّم). ولكن هل الدخول من أبواب جهنّم يعني أن لكل مجموعة باب معين تدخل منه، أو أنّ كلّ مجموعة منهم تدخل من أبواب متعدّدة؟ أي أنّ جهنّم تشبه السجون المخيفة التي تتداخل فيها الأبواب والدهاليز والممرات والطبقات، فبعض الضالين المعاندين يجب أن يسلكوا كلّ هذه الأبواب والممرات والطبقات قبل أن يستقروا في قعر جهنّم. على خلاصته بالشكل الآتي: إنّ أبواب جهنم كأبواب الجنّة إشارة إلى العوامل المختلفة التي تؤدي بالإنسان إلى دخولها، فكل نوع من الذنوب أو نوع من أعمال الخير يعتبر باباً. وثمّة ما يشير الى ذلك في الروايات الإسلامية،
ووفق هذا المعنى فإنّ العدد (7) هو كناية عن الكثرة، وما ورد في القرآن الكريم من أنّ للجنّة ثمانية أبواب هو إشارة إلى ازدياد عوامل الرحمة على عوامل العذاب.
(راجع ذيل الآية 44 سورة الحجر). وهذان التّفسيران لا يتعارضان فيما بينهما...