وهنا يجيبهما الخالق - جل وعلا - بما يثبت فؤادهما ، ويزيل خوفهما فقال : { لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وأرى } .
أى : قال الله - تعالى - لهما لا تخافا من بطش فرعون ، إننى معكما بقوتى وقدرتى ورعايتى ، وإننى أسمع كلامكما وكلامه ، وأرى فعلكما وفعله . لا يخفى على شىء من حالكما وحاله ، فاطمئنا أننى معكما بحفظى ونصرى وتأييدى ، وأن هذا الطاغية ناصيته بيدى ، ولا يستطيع أن يتحرك أو يتنفس إلا بإذنى . . .
هنا يجيئهما الرد الحاسم الذي لا خوف بعده ، ولا خشية معه :
{ قال : لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى } . .
إنني معكما . . إنه القوي الجبار الكبير المتعال . إنه الله القاهر فوق عباده . إنه موجد الأكوان والحيوات والأفراد والأشياء بقولة : كن .
ولا زيادة . . إنه معهما . . وكان هذا الإجمال يكفي . ولكنه يزيدهما طمأنينة ، ولمسا بالحس للمعونة : { أسمع وأرى . . } فما يكون فرعون وما يملك وما يصنع حين يفرط أو يطغى ؟ والله معهما يسمع ويرى ؟
{ قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } أي : لا تخافا منه ، فإنني معكما أسمع كلامكما وكلامه ، وأرى مكانكما ومكانه ، لا يخفى عليّ من أمركم شيء ، واعلما أن ناصيته بيدي ، فلا يتكلم ولا يتنفس ولا يبطش إلا بإذني وبعد أمري ، وأنا معكما بحفظي ونصري وتأييدي .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافِسيّ ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مُرَّة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : لما بعث اللهُ عزّ وجل موسى إلى فرعون قال : رب ، أيّ شيء أقول ؟ قال قل : هيا شراهيا . قال الأعمش : فَسَّرَ ذلك : الحي قبل كل شيء ، والحي بعد كل شيء .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىَ * فَأْتِيَاهُ فَقُولآ إِنّا رَسُولاَ رَبّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيَ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مّن رّبّكَ وَالسّلاَمُ عَلَىَ مَنِ اتّبَعَ الْهُدَىَ } .
يقول الله تعالى ذكره : قال الله لموسى وهارون : لا تَخافا فرعون إنّنِي مَعَكُما أعينكما عليه ، وأبصركما أسمَعُ ما يجري بينكما وبينه ، فأفهمكما ما تحاورانه به وأرَى ما تفعلان ويفعل ، لا يخفى عليّ من ذلك شيء ف " َأْتِياهُ فَقُولا له إنّا رَسُولا رَبّكَ " . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج " قالَ لا تَخافا إنّنِي مَعَكُما أسَمَعُ وأرَى " ما يحاوركما ، فأوحي إليكما فتجاوبانه .
قال الله { لاَ تَخَافَا } ، أي لا تخافا حصول شيء من الأمرين ، وهو نهي مكنى به عن نفي وقوع المنهي عنه .
وجملة { إنَّنِي مَعَكُمَا } تعليل للنهي عن الخوف الذي هو في معنى النفي ، والمعيّة معيّة حفظ .
و { أسْمَعُ وأرى } حالان من ضمير المتكلم ، أي أنا حافظكما من كل ما تخافانه ، وأنا أعلم الأقوال والأعمال فلا أدَعُ عمَلاً أو قولاً تخافانه .
ونزل فعلاَ { أسْمَعُ وأرى } منزلة اللازمين إذ لا غرض لبيان مفعولهما بل المقصود : أني لا يخفى عليّ شيء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.