التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا} (28)

{ يا أخت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ }

أى : ما كان أبوك رجلاً زانياً أو معروفاً بالفحش { وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } أى : تتعاطى الزنا . يقال : بغت المرأة ، إذا فجرت وابتعدت عن طريق الطهر والعفاف .

وليس المراد بهارون : هارون بن عمران أخا موسى ، وإنما المراد به رجل من قومها معروف بالصلاح والتقوى ، فشبهت به ، أى : يا أخت هارون فى الصلاح والتقوى .

أو المراد به أخ لها كان يسمى بهذا الاسم .

قال الآلوسى ما ملخصه : " وقوله : { ياأخت هَارُونَ } استئناف لتجديد التعيير ، وتأكيد التوبيخ ، وليس المراد بهارون أخا موسى بن عمران - عليهما السلام - لما أخرج أحمد ، ومسلم ، والترمذى ، والنسائى ، والطبرانى ، وابن حبان ، وغيرهم عن المغيرة بن شعبة قال : بعثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل نجران فقالوا : أرأيت ما تقرأون : { ياأخت هَارُونَ } وموسى قبل عيسى بكذا وكذا . قال : فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم " .

وعن قتادة قال : " هو رجل صالح فى بنى إسرائيل ، والأخت على هذا بمعنى المشابهة ، وشبهوها به تهكماً ، أو لما رأوا قبل من صلاحها . . " .

وعلى أية حال فإن مرادهم بقولهم هذا ، هو اتهام مريم بما هى بريئة منه ، والتعجب من حالها ، حيث انحدرت من أصول صالحة طاهرة ، ومع ذلك لم تنهج نهجهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا} (28)

16

ثم يتحول السخط إلى تهكم مرير : ( يا أخت هارون )النبي الذي تولى الهيكل هو وذريته من بعده والذي تنتسبين إليه بعبادتك وانقطاعك لخدمة الهيكل . فيا للمفارقة بين تلك النسبة التي تنتسبينها وذلك الفعل الذي تقارفينه ! ( ما كان أبوك امرأ سوء ، وما كانت أمك بغيا )حتى تأتي بهذه الفعلة التي لا يأتيها إلا بنات آباء السوء والأمهات البغايا !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا} (28)

{ يَا أُخْتَ هَارُونَ } أي : يا شبيهة هارون في العبادة { مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا } أي : أنت من بيت طيب طاهر ، معروف بالصلاح

والعبادة والزهادة{[18784]} ، فكيف صدر هذا منك ؟

قال علي بن أبي طلحة{[18785]} ، والسدي : قيل لها : { يَا أُخْتَ هَارُونَ } أي : أخي موسى ، وكانت من نسله{[18786]} كما يقال للتميمي : يا أخا تميم ، وللمضري : يا أخا مضر .

وقيل : نسبت إلى رجل صالح كان فيهم اسمه هارون ، فكانت تقاس{[18787]} به في العبادة ، والزهادة .

وحكى ابن جرير عن بعضهم : أنهم شبهوها برجل فاجر كان فيهم . يقال له : هارون . ورواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير .

وأغرب من هذا كله ما رواه ابن أبي حاتم .

حدثنا علي بن الحسين الهِسِنْجَاني{[18788]} حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا المفضل بن فَضَالة ، حدثنا أبو صخر ، عن القُرَظي في قول الله عز وجل : { يَا أُخْتَ هَارُونَ } قال : هي أخت هارون لأبيه وأمه ، وهي أخت موسى أخي هارون التي قَصَّت أثر موسى ، { فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } [ القصص : 11 ]

وهذا القول خطأ محض ، فإن الله تعالى قد ذكر في كتابه أنه قفَّى بعيسى بعد الرسل ، فدل على أنه آخر الأنبياء بعثًا وليس بعده إلا محمد صلوات الله وسلامه عليه{[18789]} ؛ ولهذا ثبت في الصحيح عند البخاري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي{[18790]} صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أنا أولى الناس بابن مريم ؛ إلا أنه{[18791]} ليس بيني وبينه نبي " ولو كان الأمر كما زعم محمد بن كعب القرظي ، لم يكن متأخرًا عن الرسل سوى محمد . ولكان قبل سليمان و{[18792]} داود ؛ فإن الله قد ذكر أن داود بعد موسى ، عليهما السلام في قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسِيتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَالَنَا أَلا نُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } [ البقرة : 246 ] فذكر القصة إلى أن قال : { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ } الآية [ البقرة : 251 ] ، والذي جرأ القرظي على هذه المقالة ما في التوراة بعد خروج موسى وبني إسرائيل من البحر ، وإغراق فرعون وقومه ، قال : وكانت مريم بنت عمران أخت موسى وهارون النبيين ، تضرب بالدف هي والنساء معها يسبحن الله ويشكرنه على ما أنعم به على بني إسرائيل ، فاعتقد القرظي أن هذه هي أم عيسى . وهي{[18793]} هفوة وغلطة شديدة ، بل هي باسم هذه ، وقد كانوا يسمون بأسماء{[18794]} أنبيائهم وصالحيهم ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا عبد الله بن إدريس ، سمعت أبي يذكره{[18795]} عن سِمَاك ، عن علقمة بن وائل ، عن المغيرة بن شعبة قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران ، فقالوا : أرأيت ما تقرءون : { يَا أُخْتَ هَارُونَ } ، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا ؟ قال : فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ألا أخبرتهم أنهم كانوا يَتَسَمّون{[18796]} بالأنبياء والصالحين قبلهم ؟ " .

انفرد بإخراجه مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، من حديث عبد الله بن إدريس ، عن أبيه ، عن سماك ، به{[18797]} ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث ابن إدريس .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن عُلَيَّة ، عن سعيد بن أبي صدقة ، عن محمد بن سيرين قال نُبِّئت أن كعبًا قال : إن قوله : { يَا أُخْتَ هَارُونَ } : ليس بهارون أخي موسى . قال : فقالت له عائشة : كذبت ، قال{[18798]} يا أم المؤمنين ، إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، فهو أعلم وأخبر ، وإلا فإني أجد بينهما ستمائة سنة . قال : فسكتت{[18799]} وفي هذا التاريخ نظر .

وقال ابن جرير أيضًا : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا } قال : كانت من أهل بيت يعرفون بالصلاح ، ولا يعرفون بالفساد ، [ ومن الناس من يعرفون بالصلاح ويتوالدون به ، وآخرون يعرفون بالفساد ]{[18800]} ويتوالدون به . وكان هارون مصلحًا محببًا ، في عشيرته ، وليس بهارون أخي{[18801]} موسى ، ولكنه هارون آخر ، قال : وذكر لنا أنه شيع جنازته يوم مات أربعون ألفًا ، كلهم يسمى هارون ، من بني إسرائيل .


[18784]:في ت: "والزهاد".
[18785]:في أ: "طالب".
[18786]:في ت: "قبيلته".
[18787]:في ت، ف: "تقاسي".
[18788]:في : "الححستاني".
[18789]:في ف: عليه وسلامه".
[18790]:في ف، أ: "عن رسول الله".
[18791]:في أ: "إن أولى الناس بابن مريم لأنا إن".
[18792]:في أ: "بن".
[18793]:في ف، أ: "وهذه".
[18794]:في ف، أ: "باسم".
[18795]:في أ: "يذكر".
[18796]:في ف، أ: "يسمون".
[18797]:المسند (4/252) وصحيح مسلم برقم (2135) وسنن الترمذي برقم (3155) وسنن النسائي الكبرى برقم (11315).
[18798]:في ف، أ: "فقال".
[18799]:تفسير الطبري (16/58).
[18800]:زيادة من ف، أ، والطبري.
[18801]:في أ: "وليس أخي بهارون".